طبيب الثورة.. أيّ كرامة

المدينة نيوز - بالضرورة، ستتحول قصص التضحية والوفاء والصبر والكبرياء لدى السوريين الثائرين إلى ملحمة حقيقية تدرّس غداً في المدارس وتتحول إلى أفلام ودراما وروايات، فما تختزنه من معان إنسانية ووطنية رائعة يتجاوز الوصف والجِبِلّة الإنسانية.
يكفي أن تجلس مع بعض الأشقاء والأصدقاء القادمين من سورية لتسمع ما يعجز الوصف عنه من قصص وحكايات، سواء عن المعدن النفيس لهذا الشعب الرائع، أو المعدن الرديء البائس لما وصل إليه إجرام النظام هناك.
قبل أيام قليلة، نقلت لنا وكالات الأنباء خبر استشهاد من أطلق عليه "طبيب الثورة السورية". شاب صغير في العمر، هو د. إبراهيم ناهل عثمان (مواليد العام 1985)، وأحد النشطاء الذين أسّسوا "تنسيقية الأطباء". إلاّ أنّ الصورة الاستثنائية التي يقدّمها الشهيد تتجاوز هذا النضال السياسي الكبير إلى الجانب الإنساني، فقد كان يسارع إلى الأحياء والمدن التي تشهد قصفاً وتدميراً من قبل شبيحة النظام وقواته ليعالج المرضى الذين يخشون الذهاب إلى المستشفيات، حتى لا يتم الإجهاز عليهم.
رأى الناس د. إبراهيم في حماة وأحياء حمص ومدن سورية أخرى عديدة ينتقل من بيت إلى بيت ومن حي إلى حي يسعف النساء والأطفال، ويداوي الجرحى، حتى أطلقوا عليه "طبيب الثورة"، وليصبح أحد أكثر المطلوبين لدى النظام السوري، قبل أن يتمكن من قنصه على الحدود التركية وقتله، بعد أن طارده وحاصره في كل مكان.
إبراهيم هو من سكان أحد أحياء دمشق، من مواليد السعودية، كان ترتيبه الأول على المملكة في الثانوية العامة، وحصل على منحة لدراسة طب الأسنان، لكنه فضّل العودة إلى سورية ودراسة الطب البشري في جامعة دمشق، وتخرج منها في العام 2009.
كانت آخر مكالمة له مع الفنانة السورية فدوى سليمان (وقد كان لها دور مماثل لإبراهيم في الثورة)، ونعته على صفحتها الشخصية على موقع "فيسبوك".
هي قصة من آلاف القصص الرائعة للسوريين، وبالتأكيد إبراهيم ليس الطبيب الوحيد، فهنالك زملاء كثيرون له قاموا بدورهم وواجبهم الإنساني والأخلاقي، والوطني، وتحدّوا الجيش والعسكر والقصف والاعتقال وأسعفوا المصابين، وكان نصيب كثير منهم الاعتقال والتعذيب أو القتل.
برغم مرارة الأحداث وقساوتها والكلفة التي تفوق التصور التي يدفعها الشعب السوري البطل، وصبره وتضحيته، إلاّ أنّها تكشف في الوقت نفسه كم هو عظيم وكبير ورائع وأصيل الإنسان السوري، والمصري واليمني والليبي والتونسي، فقد تجاوزت هذه الثورات الثورات العالمية الكبرى، وسطّرت اسم الإنسان العربي من جديد في سجل التاريخ، ليتعلم الجميع الدروس منه، بعد أن كان كثير منا يخجل من أن يقول "أنا عربي".
سيأتي يوم، عسى أن يكون قريباً، تكشف فيه القصص والروايات الحقيقية والمقابر الجماعية، كما كشفها المحامي العام لحماة، وستُكشف الجرائم والمجازر وحجم الكذب الرخيص، وسنرى من قاموا بها يتبرأون منها، كما فعل أسلافهم في مصر وتونس، ولا أعرف حينها كيف ستكون حال أولئك الذين غضوا الطرف عن تلك المعاناة الإنسانية الهائلة بذريعة "المؤامرة" يا من أخذتم على عاتقكم مهمة الدفاع عن هذا النظام، تمطروننا في كل صباح بمقالات فقط ضد المعارضة السورية وأميركا والأصولية وتركيا والعالم المتآمر.. حسناً، لكم ذلك، لكن نرجوكم أن لا تنسوا في هذه الحماسة أن تدافعوا عن الإنسان السوري وحقه وكرامته وحريته، أن تطالبوا هذا النظام بأن يوقف المجازر فوراً، أن تتحدثوا بـ10% عن ذلك بمقدار ما تتحدثون عن هذا النظام الاستثنائي الذي يحمي كرامتنا، لكنه يدوس على كرامة شعبه.(الغد)