عندما تصبح المراوحة قدرا!

- اذا كانت اسرة آل بوربون لم تستطع العدّ حتى العشرين وانتهت عند لويس التاسع عشر كما يقول جاك بيرك في واحدة من اطرف قصائده فان العرب ايضا كان قدرهم ألا يعدوا حتى العشرة عندما يتعلق الأمر بمشاريع نهضوية او قومية احيائية، فنهضة القرن التاسع عشر التي ساهم فيها كوكبة من الرواد الكبار في مقدمتهم الكواكبي وعبده والافغاني ورضا واخرين تم اجهاضها وهي تحبو وتتعثر وتحاول الوقوف على ساقين.
وسرعان ما عاد العرب الى اول السطر وفي خمسينيات القرن الماضي وبعض ستينياته كانت هناك محاولات للتحديث وتجارب في القطاع العام سرعان ما انتهت وعاد العرب الى اول السطر وما جربوه من جمهوريات منها ما اعلنته الدبابة وكان بيانه الاول وعدا بتحرير البلاد والعباد سرعان ما انهار تباعا، لان هذه الجمهوريات رسبت حتى في محاكاة النظم التي قامت ضدها، وانتقلت اليها العدوى، حتى المعارضات السياسية وقع بعضها في الفخّ ذاته، وقلدت النظم باسوأ ما فيها قبل ان تصل الى السلطة.. لهذا عادت هي الاخرى الى اول السطر لكن بالحروف اللاتينية هذه المرة كي تستطيع التفاهم مع الناتو وخبراته ومع السفراء وقراراتهم.
ولم يستفد عرب نهاية القرن العشرين مما سبقهم.. وما وقع فيه الاسلاف من اخطاء في الاستعانة بالغريب القوي، الذي سرعان ما انقذهم.. لكنه بعد ذلك افترسهم حتى النخاع.
بدءا من امرئ القيس الذي سعى الى قيصر كي يغيثه ضد ابناء عمومته وذويه مرورا بالغساسنة والمناذرة وليس انتهاء بما جرى مرارا وحفظناه عن ظهر قدم وليس عن ظهر قلب..
لكأن هذه المراوحة تحولت الى قدر وما ترسخ من تقاليد بائسة حول الاستغاثة بالاقوى حتى ضد التوأم تحول الى ثقافة، وبدأت هذه الثقافة العوراء تستمد مشروعيتها من التكرار ومن محاكاة الضحايا لبعضها.
انه نظام الموجات المتعاقبة، والتي لا تصل الى الشاطئ تماما، اذ سرعان ما تتكسر وتعود ليحلّ مكانها سواها، وقد انعكست هذه الثقافة حتى على مسار الافراد والنخب فما ان يقطع الفرد الذي يتمرد على القطيع خطوة او خطوتين حتى يقفز الى الوراء، ومن يتوغل اما ان يكون مصيره الهلاك او يضيع لانه بلا بوصلة.
والارشيف الاعلامي لعرب العقود السبعة الماضية والاعجف من بقرات لم يبق منها سوى الجلد والعظم شهدت اعادة انتاج وتحديث لما نسميه في ادبياتنا ما تبدل هو توظيف منجزات التكنولوجيا المستأجرة او المستعارة لاصدار طبعات جديدة ومنقحة من الهجاء السياسي ومن الاقصاء المتبادل وكل ما له صلة بفقه التخوين والتكفير والتجريم.
متى نستطيع العدّ حتى العشرة؟
ولماذا توقفت رياضياتنا عن النمو عند اول السطر في كل عصر؟؟(الدستور)