تهنئة النصارى في أعيادهم

- النصارى العرب جزء اصيل من النسيج الوطني الاردني, كما هم جزء اصيل من النسيج الاجتماعي العربي الاسلامي على امتداد الزمن منذ فجر الاسلام, وهم يشكلون احد مكونات المشروع الحضاري العربي الاسلامي, واقعاً وتاريخاً وتوثيقاً, ولم تكن مشكلة للنصارى العرب صغيرة او كبيرة مع اخوانهم المسلمين عبر التاريخ, ولم يكن المجتمع العربي الاسلامي يعرف هذا الاختلاف الذي يحاول بعضهم اثارته في الوقت الحاضر, فلم يكن هناك تمييز في العادات او الاعراف الاجتماعية, ولم يكن هناك تمييز في مجال التعاون الاسري او التكامل الاجتماعي, والتاريخ حافل بالقصص الواقعية المتواترة, التي تعبّر عن صدق المعشر وجمال التعاون في اغلب مجالات الحياة وأصعدتها.
والمسألة الاشد غرابة ان تثار مسألة جزئية وصغيرة في موضوع التهنئة بالعيد, ويحاول المتصيدون ان يثيروا زوبعة في فنجان, وما اود ان اوضحه في هذا المجال انّ تهنئة النصارى في اعيادهم من الامور المباحة بل هي مستحبة, خاصة عندما تسهم في تمتين النسيج الاجتماعي وتعزيز الوحدة الوطنية, وهذا جزء من التعامل الحسن وتبادل التحية, وتعزيز اواصر التقارب ومحاربة النعرات والتعصب.
القرآن الكريم بنصه الصريح يبيح الزواج وإقامة النسب مع اهل الكتاب, بلا نسخ وبلا خلاف, بين متشددين ومعتدلين, او بين سلفيين وغير سلفيين, والزواج يقصد بنص القرآن الى تحقيق المودة والرحمة, والمعاشرة الحسنة, التي تفضي الى تعزيز آصرة النسب وتقوية الروابط بين فئات المجتمع, فهل من المعقول ان يبيح القرآن الزواج من نصرانية, ثمّ يأتي مجتهد ليفتي بحرمة تهنئتها بالعيد, بل المطلوب من الزوج المسلم ان يحترمها ويقدرها ويصون كرامتها, ويهيئ لها سبل اقامة طقوس دينها وشعائر صلاتها بلا سخرية او استهزاء او انتقاص; لانّ من شأن ذلك تحصيل النقيض الذي يقضي الى التنازع والتباغض وقطع الاواصر.
ولذلك اوجّه كلامي الى حملة المشروع الاسلامي الحضاري, ان يرتفعوا الى مستوى مشروعهم وآفاقه السامية العليا التي تترفع على هذه السفاسف.
فالاسلام جاء بمشروع حضاري لانقاذ البشرية, واستيعاب الاختلاف والتعدد اللامتناهي بين الشعوب, وقبائل البشر, فيجيب على من يتصدّى لحمل هذا المشروع ان يتصف بسعة الفهم, وبعد النظر وسلامة البصيرة وعمق الفقه الذي يؤهله للقدرة على فهم مقاصد الشارع الكريم, بإرساء الخير والسلم, والتعاون, والتعارف والتفاهم والتكافل بين البشر جميعاً.
فليس من المعقول ان يحمل بعض الافراد مقولات قديمة منغلقة لا تقوم على دليل ولا فهم صحيح, لمبادئ الاسلام العظيم, مثل عدم رد السلام على المخالف بالدين, والتضييق عليه بالطريق وما شابه من الاقوال العقيمة, التي تؤدي الى تحصيل العداوة والنفرة بدل التبشير والتقريب وحسن الموعظة; فضلا عن كونها تصادم النص القرآني الصريح القائل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ انْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا الَيْهِمْ انَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}, وقوله تعالى :{ وَلا تُجَادِلُوا اهْلَ الْكِتَابِ الا بِالَّتِي هِيَ احْسَنُ الا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا امَنَّا بِالَّذِي انْزِلَ الَيْنَا وَأُنْزِلَ الَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}, وقوله تعالى:{ لَتَجِدَنَّ اشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ امَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ اشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ اقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ امَنُوا الَّذِينَ قَالُوا انَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ}.
اضافة الى الفهم العام المتفق عليه انّ واجب المسلم هو التبليغ والهداية فقط , وبيان الحق بأرفق السبل وأحسنها وأجملها وأكثرها تأثيراً ايجابياً, وليس له ان يكره احداً على رأيٍ او عمل, وليس له ان يستخدم السلطة والقوة, عندما تكون في يده لقهر الناس; ولذلك روي انّ عمر بن الخطاب امر بجلد ابن عمرو بن العاص عندما كان والياً لمصر, لانّه ضرب احد الاقباط, فأمر عمر بجلده امام الناس في موسم الحج ليشهد العالم كله, انّه لا يجوز الاعتداء على اي مواطن حتى لو لم يكن مسلماً; لانّ ذلك انتهاك لكرامة الادميّ واعتداء على انسانيته, وقال كلمته المشهورة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امّهاتهم احراراً), لتكون عنواناً للحضارة الاسلاميّة على مدى الدهر, ولنا ان نعرف قيمة هذا الشعار وهذه العبارة, عندما قيلت قبل اربعة عشر قرناً.
لذلك على حملة المشروع الاسلامي ان يقدموا للبشرية ارقى النماذج الانسانية وأرفعها خلقاً, وأنصعها وجهاً, وأكثرها مرونة, وأرحبها اتساعاً, وأجملها روحاً وشكلا, وأنظفها مسلكاً, وأطهرها ثوباً, وأكثرها اقناعاً وأشدها قدرة على الاستيعاب للاختلاف الذي جعله الله سنةً كونية.(العرب اليوم )