الإسلاميون والغرب ... قليل من العقلانية

تم نشره الأربعاء 21st كانون الأوّل / ديسمبر 2011 01:15 صباحاً
الإسلاميون والغرب ... قليل من العقلانية
عريب الرنتاوي

- الذين أخذوا على "الغرب" حربه على حركات الإسلام السياسي، المقاوم منها بشكل خاص، هم أنفسهم الذين يأخذون اليوم على "الغرب" نفسه، انفتاحه على هذه الحركات، واستعداده للقبول بـ"أمرها الواقع"...من قبل كان "الغرب" مُتهماً بالإنحياز لأنظمة الفساد والاستبداد، والخضوع للأجندة الإسرائيلية....اليوم يبدو الغرب مُتهما بالسعي لاستبدال الديكتاتورية بالشمولية، والدولة القطرية بتداعيات سايكس بيكو، فيما الأجندة الإسرائيلية للغرب، حاضرة دوماً في سجالاتنا.

والغريب أن بعض الذين حملوا على "الغرب" من قبل، ومعظم الذين يحملون عليه اليوم، هم إما يساريون وعلمانيون وليبراليون، وإما بقايا النظم "المُتهرّئة"...هؤلاء جميعاً احتفظوا بأوثق العلاقات والروابط مع هذا "الغرب"، ولأكثر من ثلاثة أو أربعة عقود، ما يدفع المراقب للاعتقاد بأن هؤلاء يخشون فقدان "وكالاتهم الحصرية" للغرب ومعه، من دون أن يظهر في مواقفهم وتصريحاتهم أنهم مسكونون بالقلق من أجندات غربية مناهضة لمصالح الأمة ومستقبلها ... وتصبح الحكاية أقرب ما تكون "للكوميديا السوداء" عندما نعرف أن بعض منتقدي الغرب هذه الأيام، لفعلته "السوداء" في الانفتاح على الحركات الإسلامية، والأهم نقد هذه الحركات لـ"هرولتها" صوب الغرب وتهافتها على أعتابه، هم أنفسهم الذين طالما جنّدوا أنفسهم بيادق في خدمة اجنداته واستراتيجياته، ومن دون أن يحاولوا – مجرد محاولة – لعب دور الشريك.

في المقابل، أنهكتنا كثيرٌ من الحركات الإسلامية، المقاوم منها بشكل خاص، و"الصديق" منها للمقاومة بشكل أخص، بخطابها "المتحامل" على "الغرب" والمندد بالعلاقات معه...فإذا بهذه الحركات، ومنذ أن لاحت في الأفق، بوادر انفتاح غربي عليها، لا تكف عن إطلاق رسائل الطُمأنينة والاطمئنان شرقاً وغرباً، وبصورة تكاد تنسف بالكامل، فحوى ومضامين خطابها القديم...لقد أقاموا الدنيا من دون أن يقعدوها ضد "معاهدات السلام المُذلة" و"اتفاقيات العار" و"أوكار التجسس المسماة سفارات"، وقبل أن "تدق ساعة" حصول هؤلاء على "أغلبية مريحة" في برلمانات شعوبهم، حتى خلعوا هذه الشعارات، واستبدلوها بقراءات "عقلانية" حمّلوها للسيد جيفري فيلتمان وأركان إدارته في حلهم وترحالهم، وعبر المعلن والمخفي من قنوات الإتصال السرية.

ما أن لاحت في الأفق بوادر وصول هذه الحركات إلى السلطة في دولها ومجتمعاتها، حتى نأت بنفسها عن المقاومة والممانعة، اللتين لم يصدر بيان أو تصريح "إسلاموي" إلا وعج وضج بقصائد المديح والثناء لهما....الآن أصبحت "عاصمة الممانعة" شيطان أكبر، وتذكر "المقاومون" أن حزب الله، رأس حربة معسكرهم القديم، هو حزب "مذهبي، شيعي" داعم للديكتاتورية، مع أن السيد حسن نصر الله، لم يخلع عباءته أو عمامته السوداء مُذ أطل علينا أول مرة، زعيما للحزب والمقاومة الإسلامية في لبنان.

أمس الأول، كان لي لقاء صريح مع مرجع فلسطيني رفيع، تطرق لهذه المسألة ساخراً، حتى أنه روى لي قصة عن حديث "مازح" له مع موفد أمريكي رفيع، قال له: لماذا لا تتعاملون مع حماس، هم أكثر اعتدالاً، أو هكذا سيصبحون، إن انفتحتم عليهم، من الرئيس عباس نفسه...عباس يطالب بدولة على حدود 67، وحماس لا تمانع في دولة ذات حدود مؤقتة...طلب عباس مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل اليمين الإسرائيلي، ودولة الحدود المؤقتة، تُسيل لعابه، وهو الذي لم يقتنع بعد، بفكرة ترسيم حدود دولة الاحتلال.

لكأننا أمام عملية تبادل كبرى للمواقع والمواقف، بين جناحي الحراك السياسي والشعبي العربي...الإسلاميون العرب يتلقون سهام النقد والاتهام اليوم، وهم الذين اعتادوا على إطلاقها بالأمس...والعلمانيون العرب الذي طالما اتهموا بلعب دور "رأس الجسر" للعبور الغربي/ الأمريكي إلى المنطقة، ينتقلون إلى مواقع مجادليهم، ويستخدمون أسلحتهم وذخيرتهم.

في ظني أن لا "عقلانية" في هذا الجدل على الإطلاق...فلا العلمانيين كانوا عملاء للغرب أو ذخائر في جعبته، مع أن بعضهم تورط في ما هو أقذر من ذلك....ولا الإسلاميين اليوم في موقع الاستتباع للغرب، مع أن بعضهم على أتم الاستعداد للقيام بدور "كتيبة المقدمة" في الزحف الأطلسي على المنطقة....يجب التفريق ما بين علمانيين وعلمانيين، وتمس الحاجة اليوم للتفريق بين إسلاميين وإسلاميين.

الحركات الإسلامية تعيشها واحدة من أوسع وأخطر، بل أوسع وأخطر، عملية تحوّل وانتقال في تاريخها...سواء على مستوى الخطاب السياسي والإيديولوجي، أو بفعل انتقالها من صفوف المعارضة وسجون الأنظمة، إلى سدة "الأغلبية البرلمانية" ومقاليد الحكم والحكومات في دول عربية عديدة...وهذه العملية كفيلة بإحداث شتى أشكال الاضطراب والارتباك السياسي والفكري، كما أنها تملي على هذه الحركات، ضخ جرعة من "العقلانية" في عروق خطابها المتيبسة، وهذا أمر طبيعي، ويحدث في كل دول العالم، ولدى مختلف التيارات السياسية والفكرية، فالمواقف من موقع المعارضة، غير مكلفة على الأرجح، أما حين تصدر عن مواقع السلطة والقرار، فإن أكلافها ستكون باهظة للغاية...وهذا يفسر بصورة جزئية، ومن ضمن عوامل أخرى، عملية التبادل الكبرى في مواقف جناحي الحراك السياسي والشعبي العربي: إنها باختصار، نتاج عملية تبدّل المواقع.( الدستور )
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات