كبسولة صدق تكفي!!

- لا نحتاج الى قراءة مئات الكتب في علم النفس بدءا من فرويد وقائمة العقد النفسية التي استخلصها من الاساطير الاغريقية حتى ما كتبه رايش عن الخوف من الحرية وجنون الامتلاك كي نعي كم هو التشوه الذي لحق بفطرتنا وطبائعنا البشرية، اذ يكفي لاي فرد منا ان يقرر رغم صعوبة هذا القرار ان يكون صادقا مع نفسه والاخرين ليوم واحد فقط.
وذلك على طريقة "ستردنبرغ" في مسرحية تختصر الحكاية كلها، ففيها يقرر زوجان ان يعترفا لبعضهما بكل ما فكرا به حتى لو لم يمارساه، وذلك من خلال افتعال غيبوبة مرة في اخر كل شهر.. وسواء كان الهدف من هذه الاعترافات التطهر او اي شيء اخر، فليس من حق اي طرف ان يعاقب او حتى يعاتب الطرف الاخر، ما دام الاتفاق هو ان ما يصدر عن كليهما هو في لحظة الغيبوبة والهذيان.
ان تكون صادقا ليوم واحد فقط قد يكلفك هذا أن تعيش ما تبقى من عمرك وحيدا او حتى منبوذا، لانك لن تقول فقط للأعور بأنه أعور، بل ستفضح الفارق بين تقبيل اللحى وعضها وبين الابتسامة الحقيقية ودعاية معجون الأسنان او ما تبديه الأسود من النواجذ كما قال المتنبي، وحين قرأت رواية ارض النفاق للراحل يوسف السباعي ثم شاهدتها فيلما قلت لنفسي ان الرجل قد اتخذ مثل هذا القرار بان يكون صادقا ليوم واحد.. لكن قراره سري.
فقد تخيل السباعي ان هناك سوقا او صيدلية متخصصة في بيع الكبسولات ذات الصلة بالاخلاق كبسولات للكذب واخرى للصدق وثالثة للنفاق وقد جرب احد الناس ان يتناول كبسولة الكذب فحرق خلال اسبوع واحد مراحل ما كان له ان يحرقها ويصل الى مبتغاه في عشرين عاما، وحين حقق ما اراد، فكر في ان يتوب ويعتذر فذهب يبحث عن كبسولة الصدق، فوجدهما كما هي في الخزانة، واخبره البائع انه لم يبع واحدة منها.. وحين تناولها فقد كل ما كسب خلال اقل من اسبوع.
ان تكون صادقا مع نفسك ليوم او ربما لساعة واحدة فقط هذا يعني انك تقود انقلابا جذريا ضد كل ما تربيت عليه، وحفظته من المواعظ وعليك عندئذ ان تدفع الثمن مقابل ان تخسر كل شيء الا ذاتك!
كبسولة الصدق تورطك باعادة الاسماء الحقيقية للمسميات المضللة، فالقواد والسمسار والبغي والخائن والكذاب هي الاسماء القديمة لرجل العلاقات العامة والوكيل والسيدة المتحررة من كل شيء الا قيودها والتي لا تأكل ان جاعت او لم تجع الا بثدييها.
يوم صدق واحد سيجعلك تقول لمن تغزلت بذكائه وخفة دمه كي تحقق هدفا ما انه احمق ودمه أثقل من الزئبق.
ويوم صدق واحد سيعيدك اعواما الى الوراء كي تصفي حسابات مع السلاحف التي امتدحتَ اجنحتها ورشاقتها في الطيران والافاعي التي أفرطتَ في وصف سيقانها وأقدامها الناعمة والقردة التي قلتَ لها ان الغزلان تغار منها.
لا حاجة اذن لفرويد او لاكان او بافلوف او رايش او حتى كتاب المثيولوجيا الاغريقية كي تخوض مثل هذه التجربة، وكل ما تحتاجه هو ان تتخيل بأنك سوف تغادر الحياة بعد هذا اليوم، حيث لا رعونة الحاجة ولا الخوف من الفقر او العقاب.
ان اكذب الناس بلا مُنازع هو ذلك الذي تسأله هل تكذب فيجيب بلا، لانه عندئذ يضيف كذبة كبرى الى سيرة الكذب الطويلة.
والاصدق هو من يقول انني احاول قدر الامكان ألا اكذب، رغم مشقة المحاولة يحدث هذا في مجتمعات تحول فيها الكذب الى حرفة، ثم الى نمط انتاج واخيراً الى ثقافة بديلة لكل الثقافات!( الدستور )