خلاصتان من وحي شرم الشيخ

تم نشره الثلاثاء 03rd آذار / مارس 2009 01:14 مساءً
عريب الرنتاوي

درسان، رسالتان، خلاصتان تنطلقان من منتجع شرم الشيخ أو ريفيير البحر الأحمر، حيث المؤتمرين لإعادة إعمار غزة، جاءوا من كل فج عميق، يمثلون أكثر من ثمانين دولة ومنظمة دولية: -

الخلاصة الأولى، تذكرنا بنفاق المجتمع الدولي ومعايير المزدوجة، فالعالم تجاهل \"حكومة الأمر الواقع في غزة\" مع أنها تستند لغالبية نيابية حاسمة، تشكلت في انتخابات شفافة، حرة ونزيهة، واستبدلها بحكومة لم تعرض على \"برلمان\" وليس لها قاعدة نيابية خارج المقعد البرلماني اليتيم لرئيسها الدكتور سلام فياض...العالم تجاهل \"قوى الأمر الواقع\" في غزة، مع أنها القوة المقررة والمسيطرة على الأرض، وآخر معقل للمقاومة الفلسطينية، وقرر أن يستقبل مسؤولين ووزراء، لم تتوقف رواتبهم من \"الجهات المانحة\" و\"منظمات المجتمع المدني\" التي كانوا على رأسها أو جاءوا باسمها قبل أن يصبحوا مسؤولين كبار في \"أغرب حكومة تصريف أعمال، وأطولها عمرا في التاريخ\".

الخلاصة الثانية: وتذكرنا بما قلناه مرارا وتكرارا لحماس، وجاهة أو عبر ما نكتب ونقول على الفضائيات، أن لا بديل عن \"شرعية\" منظمة التحرير، حتى وإن كانت هيكلا خربا، فما يجري في شرم الشيخ، هو ثمرة من ثمار التدثر بعباءة الشرعية، وأن البديل عن \"المرجعية البديلة\" التي ما زالت كامنة في \"وعي ولا وعي\" حماس، هو العمل تحت شعار استعادة المنظمة من مختطفيها، وهم بالمناسبة حفنة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، يجلسون على رأس هرم، لا قاعدة أو قواعد له، وهو أغرب \"هرم\" على الإطلاق، يستحق أن يقرأ بكسر الراء بدل فتحها.

قد يقول قائل من حماس، وما جدوى التدثر بالشرعية في مواجهة عالم منافق، اعتاد الكيل بمكياليين، وامتهن المعايير المزدوجة، وقد يتساءل متسائل من حماس: ألم نخض غمار الشرعية الانتخابية، وبنجاح باهر، فماذا كانت النتيجة؟

والحقيقة أنها تساؤلات شرعية ومشروعة، لكننا مع ذلك لا نمتلك سوى أن نتعامل مع هذه الحقائق كمعطيات نحسب حسابها، وعوامل تدخل في جميع عمليات الجمع والطرح والقسمة والضرب التي نجريها ونحن نرسم خياراتنا ونقرر وجهتها، وهنا أجدني مرة أخرى مضطرا لمناشدة الأخوة في حماس بان يسارعوا بتبني خطاب أكثر واقعية وانفتاحا، يساعد على إعادة صياغة النظام الفلسطيني، وفتح أبوابه لرياح جديدة، وإنهاء \"فزاعة البدل الإسلامي\" لمن يسمون مجازا وتجاوزا بـ\"المعتدلين والعلمانيين\".

لن يأتي العالم إلى حماس طائعا، ولن يقدم لها أوراق اعتماده، وليس مطلوبا في المقابل من حماس أن تنساق وراء شروط أبو مازن التي تكاد تتخطى شروط الرباعية الدولية لشدتها وتشددها، لكن المطلوب أن تخرج حماس من \"شرنقة\" ما يحيط بها من نصائح وناصحين، وأن تعترف بأن العالم أوسع من دمشق وطهران والضاحية وغزة، وأن البسالة والصمود والمقاومة، وحدها لا تكفي، وأنها تحتاج إلى جانب هذا وذاك، برنامجا سياسيا بالإمكان ترجمته إلى مختلف لغات العالم الحية.

إن أرادت حماس أن تكون قيادة للشعب الفلسطيني – وهي مؤهلة موضوعيا لذلك – فعليها أن تقتحم ميادين السياسة والدبلوماسية والمفاوضات والعلاقات العامة والدولية، ولهذا الاقتحام أسلحته وصواريخه وعبواته الجانبية، التي يتعين على الحركة إتقان تصنيعها وتهريبها، تماما مثلما أتقنت تصنيع وتهريب الصواريخ والعبوات وغيرها من الأسلحة.

وإن كانت الحركة تريد أن تظل على \"طهارتها الثورية\" وأن تحفظ \"عذريتها\" بانتظار \"ليلة النصر الكبيرة\"، فما على الحركة إلا أن تسلم زمام الأمور لغيرها، ولتبقى هي في مواقع المقاومة والمعارضة والمراقبة، لتبقى في على المعقد المجاور لمقعد السائق، ولتبقي يديها على \"الهاند بريك\".

لا نريد لحماس خيارا كهذا، نريد لها دورا سياسيا موزايا ومعادلا لدورها المقاوم، ولوزنها التمثيلي في إطار الشعب الفلسطيني، ولكن ليسمح لنا الإخوة في حماس، العالم لن ينتظرهم، ومعاناة الشعب في غزة لن تنتظر حتى يقبل العالم حماس في طبعتها الأولى، وإعادة الإعمار لا تحتمل التأجيل، والتأييد الشعبي لحماس لن يصمد طويلا أمام البطون الخاوية والجراح المفتوحة، والخيام التي تجرفها مياه الأمطار، والمدارس التي اشتاقت لروادها والمصانع التي تنتظر دوران عجلتها من جديدة.

مقاومة، نعم....صمود ونظافة كف وضمير، نعم...قضية عادلة ومحقة، ونضال مشروع ومبرر بكل المعايير والمقاييس، نعم....ولكن كل هذا وذاك وتلك، لا يعني إدارة الظهر للمشكلات الواقعية التي تواجه الشعب الفلسطيني، فإما أن نمارس القيادة ونمتلك أدواتها – كل أدواتها – وإما نبقى جالسين على مقعدين أو أن ننسى مِشيتنا من دون أن نتقن مِشية الحمامة.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات