متوالية البناء واعادة الاعمار
بعد خراب غزة تحت انظار واسماع العالم ياتي الآن دور اعمار غزة. وهكذا هي المتوالية العبثية التي هي اشبه بمسرحية من فصل واحد نعرف كيف تبدأ ولا ندري متى تنتهي، تماما كما حدث مع العراق من قبل ومن بعد. وكأن المسألة اختزلت في أزمة عقارية يتم حلها من قبل مقاوليين وعطاءات لتشييد بنى تحتية وابراج ومولات وشوارع ومدارس.
ورغم زحمة الحاضرين فان مؤتمر شرم الشيخ لاعادة اعمار غزة كان يفتقد غائبين اثنين: الضحية والجلاد. فالفلسطينيون الذين قتلوا وجرحوا وشوهوا وصدموا وشردوا كانوا في غزة، تحت الارض وفوقها. واسرائيل التي دمرت في الماضي وستدمر في المستقبل كانت مشغولة بتشكيل فريق حكومي جديد يهدد بمزيد من القتل والدمار والطرد والتشريد. انه فريق اعادة الدمار وابقاءه كحقيقة فلسطينية.
ورغم السخاء الذي امطر بلايين الدولارات التي تم رصدها لاعادة الاعمار فان البعض، ومنهم وزير الخارجية السعودي، طرح سؤالا منطقيا: من يضمن اسرائيل في المستقبل؟ لا يمكن ان يقبل العالم والعرب باستمرار متوالية البناء والهدم التي تفرضها اسرائيل على شعب مسحوق. لقد اقدمت اسرائيل في السابق على تدمير متعمد للمؤسسات والمنشئات ومحطات توليد الكهرباء والمطارات في الضفة وغزة، ولا يبدو ان هناك قوة في الارض تستطيع ردع هذه القوة الغاشمة عن تكرار جرائمها.
ان الحساسية المفرطة تجاه مشاعر اسرائيل تمنع العالم المتحضر، وحتى بعض العرب، من طرح اسئلة وجيهة. فلماذا تتحمل دول العالم وحدها فاتورة اعمار ما دمرته اسرائيل؟ لماذا لا تحمل هي مسؤولية اعادة بناء ما خلفته آلتها العسكرية من دمار للبيوت والمنشئات وتعويض الضحايا عن كل طفل وامرأة وشيخ وشاب قضى أو جرح أو شوه أو شرد بسبب جرائم اسرائيل؟
لنا ان نتخيل ما يمكن لكل هذه البلايين من الدولارات ان تفعله في غزة. لنا ان نتخيل ان ينتقل شعب الخيام الى فلل وشقق حديثة وان يذهب الطلبة في كل صباح الى مدارس نموذجية وان تقام الفنادق والمراسي وتبنى الملاعب وتشق الشوارع وتشغل محطات توليد الكهرباء ومعالجة الصرف الصحي. يمكن لهذه البلايين ان تفعل كل ذلك. لكن هل ستوفر اموال العالم هذه للفلسطينيين الحرية من الاحتلال ومن تهديد اسرائيل؟
اسرائيل هي الاجتياح المغولي البربري الذي قد ينطلق في أي لحظة. من الصعب ان نردد ما قاله فلسطيني في غزة عشية انعقاد مؤتمر شرم الشيخ. \"لا نريد اموالا ولكنا نريد فتح المعابر فقط.\" نقول نريد ان تعوض اسرائيل الفلسطينيين عن كل قطرة دم وعن كل طوبة دمرتها، لكننا نريد الحرية اولا وأخيرا. من بين كل الذي قيل في شرم الشيخ كانت كلمة واحدة تكفي لمسح جراح فلسطين: العدالة!