البلايين لن تُقيم سلاماً ولا عدلاً

تم نشره الإثنين 09 آذار / مارس 2009 01:41 مساءً
عيد بن مسعود الجهني

في منتجع شرم الشيخ أنهى مؤتمر اعمار غزة أعماله الاثنين الماضي، وبلغت الحصيلة المالية لإعمار القطاع المنكوب أكثر من 5 بلايين دولار، وهكذا هب العالم من أجل اعمار ما دمّرته الآلة العسكرية الإسرائيلية، وليس خافياً على احد ان الأسلحة التي استخدمت في ذلك التدمير كانت أميركية، أو ساعدت أميركا في تصنيعها داخل إسرائيل.

ان الإرهاصات تقول انه (قد) يتم اعمار غزة، ولكن الحقائق تقول ان ما حدث في غزة لن يكون آخر الاعتداءات، ما دام ان العرب على هذا الضعف والتشتت وقلة الحيلة.

عندما شنّ مجرمو الحرب الإسرائيليون الحرب على غزة، التي راح ضحيتها أكثر من 1200 شهيد فلسطيني، وأكثر من 5300 جريح، ودمرت في حقد أسود، المساجد والبيوت والمدارس والمعاهد والجامعات والملاجئ والمستشفيات والجمعيات الخيرية، سكت هذا العالم الظالم، لاذت الدول المسماة الكبرى، والتي تدعي أنها راعية الديموقراطية وحقوق الإنسان، بالصمت المريب، بل كانت مع الجلاد ضد الضحية، ومع الباطل ضد الحق.

وليتهم اكتفوا بالصمت، بل ان أميركا ومن يدور في فلكها، صرحوا علناً ومن دون حياء بأن ما تقوم به إسرائيل هو حق مشروع للدفاع عن النفس، أرأيتم بالله عليكم كيف يفسد الغرض الذمم والعقول، ويجعل البعض يلوي عنق الحقيقة حتى يكسرها؟ وهذا الانحياز الأعمى هو الذي جعل إسرائيل تمزق قرار مجلس الأمن رقم 1860، وبعدما أجهزت الدولة العبرية على كل شيء في غزة، وحوّلت شوارع المدينة إلى انهار من الدم، أوقف الجزارون الاسرائيليون إطلاق النار من جانب واحد!

اليوم تنادى بعض أعضاء المجتمع الدولي إلى المنتجع المصري الجميل للتمتع بهوائه، وليمارس بعضهم رياضة السباحة، والغرض المعلن إعادة اعمار غزة، والتي لا نستبعد ان يعود العدو الإسرائيلي إلى تدميرها. والمضحك المبكي انه هذا المجتمع هو نفسه الذي شجع إسرائيل على العدوان، وأعانها وصفق لها، ولكن لا استغراب، فهذا زمن العجائب، ومنذ بدأ الصراع الفلسطيني مع إسرائيل، ظلت تمارس هواياتها الشيطانية قتلاً وتدميراً، تمارس القوة ضد شعب اعزل، يفترش الأرض ويلتحف السماء، وأهله من العرب العاربة والمستعربة، بلغوا من الضعف أشده، لا يملكون إلا الشعارات والتنديدات، التي لا تقتل عصفوراً ولا تخيف هرة!

وإذا كان مؤتمر شرم الشيخ أرسل رسالة إلى إسرائيل بأنه يقف مع الشعب الفلسطيني، فإن هذه الرسالة لا تعدو كونها رمزية، وإذا كان المجتمعون فعلاً مقتنعين بعدالة القضية، فإن عليهم خصوصاً الإدارة الأميركية، ان يقرنوا الأقوال بالأفعال، ليثبتوا لشعوب العالم ان الأمر ليس جمع أموال فحسب، ولا إقامة جدران سقطت، ولكن ما يجب ان يتبناه العالم هو إقامة العدل وتحقيق السلام وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، فالاعمار قضية آنية، إنما قضية الأجيال حاضرها ومستقبلها هي تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي.

وإذا كانت سيدة الديبلوماسية الأميركية هيلاري كلينتون قالت ان بلادها تستلهم سياستها في التعامل مع عملية السلام من المبادرة العربية للسلام، فإنها مطالبة هي وبلادها بصدق القول وحسن النيات، خصوصاً ان العرب هم الذين مدوا أيديهم يطلبون السلام، فقدموا مبادرة لا تزال على الطاولة منذ عام 2002، ولكن اسرائيل كانت أول من رفضها مع حبيبتها ماما أميركا!

وإذا كانت المبادرة العربية للسلام قد شرعت الباب مفتوحاً أمام إسرائيل والإدارة الأميركية، فإن العرب يبدو أنهم ضاقوا ذرعاً، وصبرهم قد نفد، وبدأوا بالفعل يعلنون ذلك جهاراً كما حدث في قمة الكويت الاقتصادية، إذ صرحوا بأن مبادرتهم لن تكون مطروحة إلى اجل غير مسمى، وآخر تلك التصريحات ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمر شرم الشيخ: \"ان الخيار بين السلام والحرب لن يكون مفتوحاً دائما أمام إسرائيل، وان مبادرة السلام العربية المطروحة على الطاولة اليوم لن تبقى على الطاولة إلى الأبد\".

وإذا كان مؤتمر شرم الشيخ قد تحول في بعض جوانبه إلى منبر لإلقاء الخطب العصماء، ومن ضمنها خطاب رئيس وزراء ايطاليا برلسكوني الذي تعهد بإعادة تقديم خطته الاقتصادية (مارشال) لدعم الاقتصاد الفلسطيني، على غرار مشروع مارشال لإعمار أوروبا بعد الحرب الكونية الثانية، فإن ما يحتاجه الشعب الفلسطيني هو مارشال للسلام، وليس مارشال للاعمار فقط، لأن تلك الحرب شبت نيرانها بين دول متكافئة في القوة إلى حد كبير، ثم ان المشروع فعلاً ساهم في اعمار أوروبا ولم يدمرها أعداء بعد ذلك الاعمار، أما غزة فالعدو اللص الماكر متربص بها وما يعمر اليوم قد يدمر غداً!

ثم إذا كان بعض أعضاء المجتمع الدولي قد هبوا مسرعين لإعمار غزة ودعم الاقتصاد الفلسطيني انطلاقاً من الشعور بمسؤولياتهم الدولية تجاه شعب حرم من حقوقه المشروعة، فإن المجتمع الدولي يجب ان يحمّل إسرائيل الدولة العنصرية المعتدية على شعب اعزل في أرضه، المسؤولية ويلزمها بدفع ثمن ما خربته وإعادة بناء ما دمرته والتعهد بعدم تكرار ما حدث.
ان الحق يقول ان إسرائيل هي التي يجب أن تتحمل خمسة بلايين دولار وأكثر لإعادة اعمار ما دمرته آلتها العسكرية، فهي التي داست على القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف لحماية المدنيين في زمن الحرب واتفاقيات جنيف لحماية حقوق الإنسان وغيرها من الاتفاقيات الدولية، وعلى إسرائيل أن تتحمل تعويض أسر الشهداء والجرحى والمعاقين.

ولكننا حتى الآن لم نسمع من المؤتمرين من يطالب إسرائيل بذلك وان كانوا قد طالبوها على استحياء بألا تعود الى مثل هذا التدمير مرة أخرى، وكأن إسرائيل ستنصت إليهم وهي التي خرقت كل القوانين وخالفت الأعراف الدولية وألقت بقرارات مجلس الأمن وفي مقدمها القرار 242 وآخرها ولن يكون الأخير القرار رقم 1860 بوقف إطلاق النار في مزبلة التاريخ ولم يجرؤ احد ان يقول لها لا.

ان إسرائيل ارتكبت في محرقة غزة وفي مجازر صبرا وشاتيلا ودير ياسين وقانا وغيرها، كل أنواع جرائم الحرب والإبادة ضد الإنسانية، من عدوان واحتلال، وقتل وتهجير للسكان الأصليين وإحلال يهود محلهم، بل وجرائم تمييز عنصري غير مسبوقة في التاريخ، ومن خلال حروبها الظالمة ضد الشعب الفلسطيني والعربي هدمت المساجد والمدارس والجامعات والمستشفيات وغيرها أمام أعين المجتمع الدولي ومجلس أمنه الخبيث، ورغم ذلك لم يسمع احد سوى التنديدات رغم ان تلك الجرائم الكبرى هددت وتهدد السلام والأمن الدوليين ويجب ألا تمر من دون ملاحقة وعقاب مرتكبيها من الإسرائيليين.
ان البلايين مهما كثرت لن تقيم سلاماً ولا عدلاً، بل ان نسبة كبيرة منها سيلتهمها الفساد قبل ان تبلغ محطتها، ولن تنجو تلك البلايين من الفساد بعد رسو قاطرتها، ثم ان شن حرب إسرائيلية مثل التي شنتها على غزة ضد الفلسطينيين قد يتكرر، بل قد تكون الكارثة أفدح، من حيث الدمار وعدد القتلى والجرحى والمعاقين.

إن السلام هو الخيار الوحيد، ولكن يجب ان يثبت العرب أنهم لا يتسوّلون السلام، ان الوضع خطير وينذر بشر مستطير، في وقت أصبح المجتمع الدولي للأسف رهينة لإسرائيل والإدارة الأميركية توجهانه أنى شاءتا، ولا يبدو ان في نيتهما توجيهه نحو السلام والعدل اللذين أصبحا في خبر كان.

* رئيس مركز الخليج العربي للطّاقة والدراسات الاستراتيجية

الحياة



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات