محاورة إيران... تضحيةٌ باستقلال لبنان!
وزيرة الخارجية الأميركية تقول إن على بلادها أن تفكر في "قضايا ثلاث: الدفاع والدبلوماسية والتنمية"، لا إشارة إلى الديمقراطية، لا من قريب ولا من بعيد، في ذلك الترتيب، لكن هذه المقاربة الجديدة لاقت ترحيباً حاراً وواسعاً عبر الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط... لكن ليس في لبنان، أو على الأقل في أوساط تحالف "14 آذار"، الذي يضم القوى الموالية للديمقراطية هناك، وقد نظمت في ذلك اليوم من عام 2005، احتجاجات كبيرة في بيروت على اغتيال رفيق الحريري في انفجار سيارة يعتقدون أنه من تدبير عملاء سوريين. وقد حظيت تلك الاحتجاجات التي عُرفت لاحقاً باسم "ثورة الأرز"، بدعم قوي من فرنسا والولايات المتحدة، وأرغمت سوريا في نهاية المطاف على سحب قواتها من لبنان.
غير أنه خلال السنوات الأربع التي تلت ذلك، حاولت سوريا وحليفها "حزب الله" العودة مجدداً إلى لبنان، عودة وصفها الرئيس اللبناني الأسبق أمين جميل بـ"الضم الزاحف". فرغم قيام سوريا بفتح سفارة لها في لبنان لأول مرة، فإنها لم تقم حتى الآن بإرسال سفير إلى بيروت. وعلاوة على ذلك، فإنه يُعتقد أن سوريا ما زالت ترسل الأسلحة إلى "حزب الله" في انتهاك لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي مُرر في أغسطس 2006 لإنهاء الحرب بين "حزب الله" وإسرائيل. وقد تُوجت حملةُ الترهيب المدعومة من قبل سوريا بأحداث مايو 2008 حين سيطر رجال "حزب الله" على شوارع بيروت، ثم أعقب ذلك اتفاق لاقتسام السلطة منح "حزب الله" حق نقض قرارات الحكومة اللبنانية.
إذا أبرم أوباما صفقة مع سوريا أو إيران، فسيكون قد قوض أحد إنجازات بوش، ملقياً بشعب لبنان في غياهب المجهول.
والواقع أن الانتخابات البرلمانية المقبلة في السابع من يونيو المقبل، على افتراض أنها ستجرى في موعدها المقرر، ستشكل أحدث رهان قوة بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار (8 مارس 2005 تاريخ مظاهرة أخرى موالية لسوريا) ، غير أنه حتى في حال فاز مرشحو تحالف 14 آذار، فإنهم سيعانون كثيراً في سبيل الحفاظ على استقلال بلدهم الهش. ذلك أن الجيش اللبناني يفتقر إلى القدرة أو الإرادة لمواجهة "حزب الله"، في حين تعرضت المليشيات المسيحية، التي كانت نشطة إبان الحرب الأهلية التي استمرت بين عامي 1975 و1990، للضعف والتفكك، الأمر الذي يجعل الديمقراطيين اللبنانيين معتمدين بالكامل تقريباً على الدعم الخارجي. وقد ابتهجوا حين شرعت المحكمة الأممية التي أُنشئت من أجل التحقيق في قضية اغتيال الحرير ومتابعة المتهمين فيه، لكنهم ما زالوا يخشون أن يتم بيعهم والتخلي عنهم من قبل القوى الغربية في إطار صفقة قد تعقدها مع سوريا أو إيران.
وفي هذا السياق، قال الناشط السياسي الشيعي علي مقداد لمجموعة من الأميركيين زاروا لبنان مؤخراً، في إطار زيارة نظمتها "منظمة الرأي الجديد"، وهي منظمة غير حكومية تشجع الديمقراطية: "كفوا عن إضفاء الشرعية على (حزب الله) عبر فتح القنوات الرسمية معه، مثلما تفعل الحكومة البريطانية اليوم".
يذكر هنا أن البريطانيين يقولون إنهم سيتحاورون مع الجناح السياسي للحزب فقط، لكن مقداد وآخرين يؤكدون أن الأمرين سيان، وأن "حزب الله" كله يريد السيطرة على لبنان.
لقد قال لنا نشطاء 14 آذار إنه إذا كانت المحادثات الأميركية مع سوريا ترمي إلى الحد من تدخلها في الشؤون اللبنانية، فلا ضير في ذلك. لكن الأرجح، كما يقولون، هو أن تعمد سوريا إلى تمديد وإطالة المفاوضات بينما ستستمر في إضعاف الديمقراطية اللبنانية. على أن أكثر ما يخشونه هو تخفيف العقوبات الأميركية، حيث يقول فارس سُعيد، أمين عام تحالف 14 آذار، "إن أي تخفيف للضغط على سوريا وإيران ستكون له تداعيات خطيرة على المشهد الداخلي اللبناني".
وفي الوقت الراهن، يعرف لبنان ازدهاراً ملحوظاً، حيث ظهر عدد كبير من الصحف والقنوات التلفزيونية التي تنشر وجهات نظر مختلفة ومتنوعة، بينما يقوم المرشحون السياسيون بمناقشة مختلف المواضيع، بما في ذلك إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وبيروت التي كانت منطقة حرب بالأمس القريب فقط، تبدو مرة أخرى مثل باريس الشرق الأوسط، فيها يحتفل الشباب المواكب للموضة حتى وقت متأخر في الأندية الليلية بكل حرية. بل يمكن القول إن الحجاب يمكن رؤيته في لندن أكثر منه في بيروت.
لكن أينما وليت وجهك تجد ما يذكرك بمدى هشاشة الإنجاز اللبناني. فعلى بعد بضعة أميال فقط عن أحياء بيروت العلمانية، تجد المعاقل الشيعية التي يهيمن عليها "حزب الله"، حيث صور وملصقات "الشهداء" منتشرة في كل مكان، وحيث يتجذر نظام حكم ديني على النموذج الإيراني.
وتأسيسا على ما تقدم، يمكن القول إنه إذا أظهر أوباما استعداداً للتضحية باستقلال لبنان من أجل التوصل إلى صفقة مع سوريا أو إيران، فإنه لن يقوض بذلك واحداً من أبرز إنجازات بوش، وإنما سيكون قد رمى بشعب لبنان في غياهب المجهول.
زميل لـ"مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي.
الاتحاد الاماراتية