تعويم عربي للبشير بعد الغارة عليه

تم نشره الثلاثاء 31st آذار / مارس 2009 04:07 مساءً
غسان الإمام

كأني بلسان حال عمر البشير يقول: انتظرنا الأمريكان من الغرب (دار فور)، ففاجأتنا إسرائيل من الشرق. لكن لماذا سكت الرئيس السوداني عن الإغارة عليه مدة شهرين؟ لماذا أبقى الضربة سرا، وترك لأمريكا "شرف" الإعلان عنها، مع نفيها الحازم للمشاركة فيها؟ كان باستطاعته ضم ملف الغارة الجوية عليه، إلى ملف الغارة القضائية المطالبة بجلبه أمام محكمة الجنايات الدولية، كضحية مستهدفة عمدا. كان بإمكانه تقديم نفسه إلى قومه العرب، كمجاهد "لوجستي" يمرر إلى الفلسطينيين ما يحتاجون من سلع صاروخية إيرانية.

 

 

ربما ظن البشير أن الغارة عليه، في عصر الأقمار الصناعية والإعلام الإلكتروني، ستبقى سرا. يكفيه دارفور هما معلنا. أو أنه لم يكن يريد أن يظهر، كآخر من يعلم ما يجري في براري وأجواء بلده. غير أنه لا شك أثار الموضوع خلال زياراته لجيرانه، متسائلا عن الطريق الذي سلكه الإسرائيليون في الإغارة عليه، وعما إذا شاركت طائرات أوباما في الغارة، أم اكتفت بدور حادي "الإبل" المنطلقة إلى الهدف.

 

أميل إلى ترجيح اكتفاء أمريكا بدور الشرطي الجوي المرشد والهادي. لكن سواء انطلق الطيران الإسرائيلي من قواعد أمريكية أو غير أمريكية في أفريقيا، أو حتما من إسرائيل، فقد قطع جيئة وذهابا أكثر من ثلاثة آلاف كيلو متر، في مجال جوي فوق خليج العقبة والبحر الأحمر، دونما حاجة لانتهاك أجواء عربية، كما توحي بذلك جهات عربية مغرضة. هذه المسافة أطول من المسافة بين إسرائيل وإيران. معني ذلك أن إيران يجب أن تقلق من قدرة إسرائيل على شن الغارة على مخابئها النووية، إذا سمح أوباما لها بالتحليق فوق العراق. بل لابد أن يلف القلق العرب من طول الذراع الإسرائيلية المزودة بأقمار التجسس، وبأحدث تقنيات الطيران الأمريكية.

 

كسبت صواريخ إيران "بياض الوجه" لدى عرب الشارع، على حساب مأزق المضروب المسكين البشير. لكن عدم قدرة ما وصل من هذه الصواريخ إلى غزة على إصابة الهدف، وإنزال خسائر تذكر بإسرائيل على مدى عشر سنوات، يجب أن يثير قلقا أكبر حقيقةً لدى الفلسطينيين والعرب.

 

إذا ردت إيران بصواريخ باليستية أكبر، على ضربة إسرائيلية مفترضة، فالاحتمال كبير إذن، أن تخطئ الصواريخ الإيرانية الضخمة الهدف، فتنفجر في الضفة أو غزة، أو في مناطق عربية آهلة بالسكان في القدس والجليل، بل ربما تنفجر في أراض سورية أو أردنية أو لبنانية، لتوقع خسائر أفدح. حزب الله شاهد على رداءة صواريخه الإيرانية. فقد قتلت في حرب 2006 من عرب الجليل وحيفا وعكا وضواحي الناصرة، أكثر مما قتلت من الإسرائيليين. السبب عدم قدرة الحزب على توجيهها بدقة نحو هدف محدد.

 

السؤال الآخر للبشير عن السبب في عدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سرية قوافل السلاح، في منطقة سبق أن كانت مسرحا لتمرد قبائل البجا عليه، قبل أن يتدارك الأمر ويصالحها؟ لماذا ترك تفريغ الصواريخ والأسلحة الإيرانية في بور سودان شبه علني، والميناء يغلي بعيون أكثر من جهاز مخابرات أجنبي؟ واضح أن تواكلية النظام ولامبالاته، وتسيُّب أجهزة مخابراته هي سواء، في جبهة الشرق، أو في جبهة الغرب. هذه التواكلية لا تهدد استقرار النظام فحسب، وإنما أيضا استقرار السودان كله، والتعايش السلمي بين فئاته.

 

مع ذلك كله، أقول إن البشير بحاجة إلى دعم ومساندة من العرب. لقد تلقى هذه المساندة على أعلى مستوى في قمة الدوحة. البيان واضح. فقد تجاوب العرب مع رفض البشير اقتراحا سبق أن قدمه إليه عمرو موسى، بالقبول بتأجيل محاكمته سنة. فقد أثار الاقتراح غير الذكي وغير اللائق غضب البشير، وزاد من هياجه.

 

سبق أن تحدثت هنا، منذ أسابيع، عن محنة انغلاق المؤسسة الرئاسية العربية. غير أن هذه المؤسسة تبقى دستوريا رمز استقلال الدولة العربية. وعنوان سيادتها. لا يليق بالعرب، قمة ودولا وأمة، أن تتعرض المؤسسة الرئاسية إلى المهانة الدولية، بحجج دولية وأجنبية مغرضة، وبذرائع في التعامل مزدوجة: بحيث ينجو بوش من المساءلة ويعاقب صدام، وينجو ساسة وجنرالات إسرائيل المسؤولون عن مجازر غزة، ويعاقب البشير عما حدث في دارفور.

 

ليس أمام المؤسسة الرئاسية العربية سوى الشفافية، وعدالة التعامل مع مواطنيها، وسوى الالتزام بحد أدنى من السلوك الدولي المتعارف عليه بين الدول، تجنيبا له وللبلد الذي تحكمه الهزات والزلازل والعدوان الأجنبي بالقوة. لو أن البشير استوعب أزمة دارفور باكرا، لو أنه لم يوزِّر المتهمين والمطلوبين دوليا وزراء ومستشارين، لو أنه لم يطرد المنظمات الأجنبية.. لما وضع نفسه وبلده وأمته، في هذا الإحراج المكشوف أمام العالم.

 

في إبعاده الترابي، جنب البشير نظامه تهمة الانغماس في الإرهاب، وإيواء إرهابيين كابن لادن وكارلوس. كان عليه أيضا أن يدرك باكرا أن التعامل مع أجهزة دولة خارجة على القانون الدولي، وأعراف التعامل باحترام مع الجيران، كإيران، لا يفيد نظامه، ولا ينقذ ويستعيد فلسطين، بتهريب صواريخ التنك الرديئة، إلى نظام معزول في غزة، وخارج بدوره على السلطة الفلسطينية الشرعية، وواضع للحزب فوق القضية.

 

أعود إلى قمة العرب في الدوحة، لأقول إن غياب الرئيس مبارك عن المشاركة فيها، حرم قطر من "وجاهة" المباهاة في قدرتها على جمع العرب جميعا في دارتها. قطعت قطر الطريق على نفسها، للانضمام إلى المسعى السعودي لجعل المصالحة العربية شاملة وجامعة. الغياب المصري دليل على نفاد صبر مصر الطويل إزاء المزايدة الدبلوماسية والتلفزيونية، على دورها القومي والفلسطيني.

 

هناك مرارة مصرية من التلفزيون، الذي بات ينأى بقطر عن دورها كوسيط ناجح في فض النزاعات العربية، لتبدو كطرف منحاز ومشارك فيها. مسايرة إيران ومغازلة إسرائيل لا تخدمان الدور الذي يتطلع إليه الجيل الثاني من حكام الخليج، كجيل مختلف أكثر حركة ودينامية، وأشد اهتماما وإغراقا في الشأن العربي والإقليمي.

 

يبقى أن أقول إن إبقاء القمة لمشروع السلام العربي فوق الطاولة هو تحد لصبر عربي طويل. لعل الجالسين على القمة أرادوا منح حكومة إسرائيل الجديدة الفرصة لتثبت أنها "شريك في السلام"، كما يزعم رئيسها نتنياهو، كذلك إتاحة الفرصة لأوروبا كي تدعم تحذيرها الشفهي له، من التهرب من الحل على أساس دولة فلسطينية.

 

أوروبا قادرة على معاقبة إسرائيل اقتصاديا، لكن إدارة أوباما، بشعبيتها الكبيرة، تملك الفرصة والقوة لإلزام إسرائيل بالعودة إلى حدود 1967، ووقف استيطان الضفة والقدس الشرقية (نصف مليون مستوطن إلى الآن).

 

 أمريكا أوباما وحدها تستطيع أن تضع حدا لتسويف إسرائيل في الحل، بعدما ألْهَت أمريكا بوش ثماني سنوات، برفع شعاره المضلل: الحرب على الإرهاب.

 

العربية . نت



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات