قمة المصالحة العربية والتطلعات المنشودة
كالعادة،جاء انعقاد القمة العربية في الدوحة وسط ظروف ومناخات سياسية استثنائية مافتئت تلازم انعقادها منذ تشكيلها ، وتحديات كبيرة فرضتها عوامل التدخل في الشؤون والقضايا العربية الداخلية وتزايد محاولات الغزو الاقليمي للفضاء العربي بذرائع تسيير اطروحات تتبنى قضاياها سيما وان النظام العربي بات ليس معزولاً عن المحيط الاقليمي وحالة المتغيرات السياسية العالمية ، وعلى الرغم من كبر حجم الارهاصات التي تعصف بالنظام العربي تجاه دوره ومقدراته ، الا ان عودة النظام العربي للقاء مجدداً في الدوحة له اهميته خاصة على اعتباره يندرج في اطار دورية القمة في الانعقاد ،كما يؤكد من جديد ان الرافعة العربية ستبقى حاضرة في مواجهة التحديات وفي اعادة القرار العربي ليكون مستقلاً تحميه الحاضنة العربية التي يأمل ان تبرهن قدرتها على هضم كل رواسب التباينات والاختلافات لتقوم بدورها الفاعل تجاه تعزيز المناعة ووقف الاستباحة للامن القومي العربي وتقديم الاسناد والنصرة لقضاياها والعودة بالنظام العربي الى المكانة التي يستحقها بين القوى الاقليمية في المنطقة بما يحفظ الامن القومي والسلم الاهلي لمجتمعاته وانسانه.
ولعل الاجتماع العربي والذي أتى في ظل تصدع في نظامه وظروف اشتداد الازمه السودانية ومتطلبات الاوضاع العراقية وتداعيات الحالة الفلسطينية التي ما زالت تعاني الشرخ والانقسام في ظل جمود عملية السلام ، قد اجاب هذا الاجتماع عن بعض المتطلبات وتقدم سياسات ازاء اعادة ترتيب البيت العربي بما يأمل ترسي قواعد المصالحه والتضامن وتهيئ لميلاد عربي جديد يرفع المعاناه عن مجتمعاتة وبلدانة ، جراء ما تعانيه من هموم ومشكلات.
كما ان القمه بما قدمته من مفردات سياسية جادة ومهمة في تفعيل المبادرة العربية للسلام على اسس وضوابط مستنده الى جداول زمنية واضحة قد قطعت الطريق على حكومة نتنياهو بطرحها اللاسلمي القائم على اختزال الحلول وطرح السلام الاقتصادي على حساب سلام الارض والدولة ، كون هذا الطرح لن يحقق فائدة سياسية بقدر ما يهدف للاستمرار بكسب المزيد من الوقت وتسويف المرحلة والعملية التفاوضية برؤياها وبنتائجها واستخلاصاتها ولربما حتى الاتفاقات التي كانت الحكومات السابقة الاسرائلية قد وافقت عليها ، من هنا تأتي اهمية الرد العربي بالاجتماع لتأكيد على منهاج السلام وتطوير استراتيجية التفاوض ضمن جدول زمني يسمح باستثمار التعاطف الدولي الكبير التي تحظى له الحالة الفلسطينية ، وحجم التأييد الواسع لمشروع حل الدولتين الذي يؤدي للوصول بالعملية التفاوضية الى نتائج ملموسة تمثلها اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ، فقد آن آوان النتائج وأنتهي عصر التفاوض لاجل التفاوض ، فالمرحلة باتت معده كما الظرف الموضوعي مهيئ للوصول الى استخلاصات تتحقق على ارض الواقع بما يرفع الظلم والمعاناة التي يتكبدها انسان المنطقة جراء مرحلة المخاض السياسي التي طال امدها وباتت عبئ حتى على من يعمل بصدق ومسؤولية لتوسيع قاعدة التأييد العالمي لها لاحقاقها ، فالانجاز لا تصنعه فقط العوامل الذاتية وقد بات العالم يعيش في قرية صغيرة بل ان هنالك عوامل موضوعية لا بد توفرها في صياغة معادلة تحمل دلالات ونتائج مفيدة ، من هنا تأتي اهميتة الرؤيا التي تقودها الدبلوماسية الاردنية في ربط المعادلة السياسية بشقيها الذاتي الخاص بالحراك الميداني والموضوعي بادائه الدبلوماسي ليفضي الى انجاز ، فالمقاومة اياً كانت ادواتها ميدانية ام مدنية بحاجة الى حواضن تعزز وتحقق لها النصرة كما تساعدها على تحقيق الاهداف.
لقد حرصت الدبلوماسية الاردنية ومن وعى عميق لطبيعة المرحلة السياسية وادراك واثق من انتصار صوت الحق والعدالة الذي تمثله القضايا العربية وايمانا راسخ باهميتة العمل العربي المشترك كونه رافعة داعمة لانسان العربي ومجتمعاته كما قضاياه ، فعملت الدبلوماسية الاردنية عن الترفع عن الشوائب والعوالق التي حاولت ان تنال مقدار الرافعة العربية ومساهمت في تهيئة الاجواء العربية للمصالحة حفاظ على دور النظام العربي ودعماً وانتصاراً لقضاياه ، فالمصالحة العربية امر جد ضروري لعودة النظام العربي ليتبؤ مكانته، كما ان ذلك له اهمية في ردم الشق الفلسطيني ليحافظ على حضوره واداءه ويسثمر معطيات المرحلة لتحقيق اهدافه التي تمثلها الحرية والاستقلال ، وهو ما اكده جلالة الملك امام القمة العربية عن ضرورة دعم الجهود المبذولة لتجاوز الاختلافات العربية - العربية وتوحيد الصف العربي بما يدعم القضية الرئيسية للامة كما وصفها جلالته لتنال اهدافها.
املنا ان يستفيد النظام العربي من مناخات الوئام ويستثمرها لتقديم الرسالة العربية بطريقة ترفع المعاناه عن انسانه وتقدم النصرة لقضاياه.