لا ترحموني.. لأنني لن ارحمكم!
تدخل الى الاحياء الشعبية ، وتقترب احيانا من مدارس البنات ، فترى عدد الشباب المكومين عند كل زاوية ، وعند كل باب ، وجوههم لم تر الماء منذ اسابيع ، ومحياهم يدل على انهم "زعران" بكل ما في الكلمة من معنى.حين تعود طالبتنان من مدرستهما في الزرقاء ، فيقوم مجهول برشهما بمادة كيماوية ، ويسبب حروقا للفتاتين ، لن تزول اثارها ببساطة ، ولربما تتشوه الطالبتان ، مدى الحياة ، بما يدمر مستقبلهما الحياتي ، فلا وظيفة ولا زواج ، تعرف اننا نسلك طريقا صعبا للغاية ، فأعداد هؤلاء بازدياد والقوانين الرادعة لم تعد رادعة على ما يبدو.منذ ان انتهت خدمة العلم بمفهومها العسكري الصارم ، حين كان الشاب يذهب رخوا الى الخدمة العسكرية ، ويخرج منها مشدودا ، محترما ، يعرف اهمية الانضباط والقانون ، ويحسب حساب الدولة وهيبتها ، ويعرف مالذي تعنيه الحياة الخشنة ، ويحترم العلم ، ويصبح فردا من مجموع فينام في غرفة فيها ابناء من كل البلد ، منذ ان انتهت هذه الخدمة ، خرجت علينا هذه الاجيال الجديدة ، التي لا عنوان لها ، سوى اقرب زقاق الى المنزل ، والامر يمتد الى ابناء الطبقات الميسورة ، الذين قد لا تجدهم عند باب مدرسة البنات ، لكنك تراهم مكومين مع زميلاتهم في المدارس ، في المولات والمقاهي وفي كل مكان.شباب البلد ، بحاجة الى عنوان ، والى برنامج ، وهذا الضياع وهذه القصص التي تسمعها ، عن كل شيء ، من انتشار المخدرات بأعتراف الجهات الرسمية ، الى السلوكيات الاخلاقية السيئة ، الى شم "الآغو" وتعاطي الحبوب ، وانتشار المشروبات الكحولية بين هؤلاء بطريقة غير مسبوقة ، ثم مشاكلهم التي تبدأ بأنعدام فرص العمل ، وضياع المستقبل ، وانتشار التقليعات الغريبة ، من "الايمو" الى غيرها من تقليعات ، كلها قضايا بحاجة اليوم الى تدخل ، والى حل مبكر لها ، قبل ان تتفاقم وتتحول الى قنبلة قابلة للانفجار ، فكثرة من هؤلاء اصبحوا خطرا جامحا في المجتمع ، الحل ليس في محاربته او كسر عنقه ، اذ ان الحل هو في منحه فرصة للحياة ، واخراج كثرة من مستنقعات السوء ، لا يكون بممارسة الخطابة عليهم ، بقدر تشخيص المشكلة ووضع حل لها.من المؤسف حقا ان تتهاوى هذه الاجيال الجديدة ، وقد كنا في المدارس نسمع تقريع الاساتذة بأننا جيل فاسد ، لمجرد ان المعلم امسك سيجارة في غرفة الصف ، فماذا سنقول اذا عن هذا الجيل الذي يعيش حالة غريبة حقا ، وامس ، كنت مارا من عند مدرسة بنات ثانوية ، فرأيت ما لا يقل عن عشرين شابا ، يجلسون على الارصفة ، وتحت الشجر مثل "كلاب المسالخ" التي تتضور جوعا ، وسألت نفسي اين الرقابة واين دور وزارة التربية والتعليم ، واين دور الشرطة ، واين دور الاباء واولياء الامور ، حتى بت اظن ان كل مدرسة بحاجة الى شرطي لحراستها ، وكل طالبة بحاجة الى شرطي لمرافقتها الى بيتها.مقابل الاف الاذكياء والمبدعين لدينا عشرات الاف الشباب الذين يشعرون بيأس ، ويشعرون ان لا مستقبل لهم ، ويغرق بعضهم ، هنا وهناك في ممارسات غريبة ، وقد رأيت شابا يخط بعلبة الوان على جدار في منطقته عبارة يقول فيها.. (لا اريد ان ترحموني لانني لن ارحمكم). وفي هذا الشعار تلخيص لمشاعر هذه الاجيال التي لا يفلح احد في استقطابها ، لا.. المدارس ولا الجامعات ولا المساجد ولا المبادرات ولا الحياة الكريمة ايضا ، وهي اجيال مؤجرة للشارع بعقود مفتوحة ، حتى اشعار اخر.هل هم ضحايانا أم انهم فاسدون وحسب؟،.. سؤال برسم الاجابة.m.tair@addustour.com.jo