قـوس الـدم

تم نشره الخميس 09 نيسان / أبريل 2009 10:12 صباحاً
ماهر ابو طير

 

لا يرتوي تراب العراق من الدم ، عطشان هو للدم ، منذ الف عام ، او يزيد ، لا يرتوي تراب العراق من الدم ، وفي ذكرى سقوط بغداد اليوم ، تدمع عيناي ، فمن القدس الى بغداد ، حكاية عشق تاريخية ، حتى ان الفارس العربي الذي حرر القدس ، له في العراق ، اصل ومنبت ، من شماله الكردي ، الى وسطه وجنوبه العربي.من احتل بغداد ، يعرف انه سرق القلب العربي النابض ، وقدر العراق هذا حزين جدا ، وعباءات العراقيات المتشحة بالسواد تقول لك ، ان قدر العراق كان من سر اسم مدينة "كربلاء" والكرب والبلاء ، لا يفارقان العراقيين ، حتى كأن تكبيرات الشهداء ، منذ اول الفداء الحسين رضي الله عنه وارضاه ، حتى اخر شهيد سقط على ارض فلسطين ، وقوس الدم المنصوب فوق العراق ، لا يغيب ، وكأن تراب العراق لا يرتوي ابدا ، ولا يريد ان يرتوي ، ابدا.كانت بغداد عربية ، ففي عز ضنكها وجوعها ، لم تنس العرب ، وعرب اليوم ، يسألون العراقي في كل مطار بشك الدنيا ، عن وجهته ، يحدجونه بغضب ، وكأن العراقي ، العربي الوحيد المشكوك فيه ، والعراقي ، يحمل في صوته حزن الدنيا ، قارئا للقرآن ، ام منشدا ، ولا تجد في اي لغة عامية عربية ، كل هذا القدر من مفردات التعبير عن الحزن الموروث ، الا في مفردات العراقي ، وكل تلك القسوة التي يجدها بعضنا في شخصية العراقي ، قسوة شرعية ومشروعة ، اذ ورث العراقيون الحزن والغضب والحدة ، عبر مئات السنين الدموية ، والنخلة العراقية لا تموت الا واقفة ، لكنها ايضا ، ارتوت من دم العراقيين ، فجاء ثمرها ، غذاء لروح العراقي الغاضبة ، وشربة الماء من دجلة والفرات ، لم تعد شربة الحروف التي نعرفها ، ولا لمسة الفنانين ، ولا صوت المطربين ، ولا يد الرسامين ، فقد ابى الاحتلال الا ان يجعل النهرين مدفنا لابرياء العراق ، والسمك المسقوف اليوم ، يتغذى على الضحايا ، فتطلب من النهر المقدس ان يغتسل بنهر مقدس اخر ، وتذرف دمعة مالحة فيه ، حتى يستفيق النهر من غفوته ، وسكوته على مراكب الغرباء ، التي تبحر في دمنا ، كل صباح ومساء.زرت بغداد ، ثلاث مرات ، احداهن بالطائرة ، لم ار مدينة فاتنة في حياتي من فوقها ، كما هي بغداد ، فالارض خضراء ، والنخل يعانق الشمس ، وجداول الماء تلمع عبر الافق البعيد ، وحين تبحث في زوايا بغداد عن "بشر الحافي" ورفاقه لا تجدهم ، فقد ارتحلوا بارواحهم احتجاجا على احتلال مقنع ، وعلى احتلال سافر وسافل في آن واحدة ، وتكتشف انهم اسسوا تنظيما سريا ، لطرد الاحتلال ، فتبحث عن مقرهم لتبايعهم ، فتجدهم تارة في كوفة علي بن ابي طالب ، يشربون الماء من البئر المقدسة ، وتارة يقرأون الفاتحة على روح ابي حنيفة ، وتارة يتيممون بالتراب ، بدلا من الماء ، فأقول لهم ، ان حكم الصلاة في العراق ، جائز بدون ماء او تيمم ، لان الماء لم يعد مقدسا ، ولان التراب ، مغسول بالدم.اشتاق الى بغداد ، في كل ساعة ، واسأل عن ملايين امهات الايتام في العراق ، وملايين الايتام ، وعن وجوه الاطفال الواقفة الى اكتاف الجدات عند اعداد خبز الصباح الساخن ، وابحث عن جدتي في بغداد ، بين كل الامهات العراقيات ، فاجدها في البصرة ، تهز النخل فيتساقط رطبا جنيا ، وتسقيني جدتي بكفها حروفا بصراوية ، تجعل روحي تستفيق ، وتجول في بغداد ، تطوف كما هو الطواف ، تطوف حول المآذن والقباب ، تطرد غربان السوء ، وعملاء السوء ، والقتلة ، وتنادي على ابرياء العراق ، في اصقاع الدنيا ، لتقول لهم انكم عائدون.. عائدون بلا ريب ، وعندها اعرف ان بغداد دفنت كل الاحتلالات ، وان بغداد في محنتها ، تعلن ان المحنة هي محنة العرب ، وليس العراقيين لوحدهم."ركعتان في العشق لايصح وضؤوهما الا بالدم".. ومنذ الف عام ، وصاحب الركعتين ما زال يتوضأ ، فيما غيره من العرب ، تسمن خدودهم ، من فرط قلة الحياء ، وقلة الاحساس على حد سواء.

 

m.tair@addustour.com.jo



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات