وجع نيسان

تم نشره الخميس 09 نيسان / أبريل 2009 10:10 صباحاً
محمد حسن الزعبي

 

عندما جثت بغداد على نهريها..لثغت كل العواصم بعروبتها...

 

***

 

في يوم 9 نيسان، فتحت نافذة غرفتي التي تشبه الزنزانة،تلك ''الخُشّة'' المعتمة والمشبعة رطوبة وبيانات الحرب، في حي شعبي،يسكنه عادة المغتربون الجدد والعاطلون عن العمل والتائهون عن انفسهم..

 

في ذلك الصباح الأسمر، نعق غراب على عمود قريب، حاولت طرده كي لا يوقظ غربان رأسي، لكنه جذب غراباً آخر وبدآ ينوحان بالخبر..فهمت من حركات رأسيهما وأجنحتهما الجارحة، انه لم يعد هناك معنى للكلام المتفتّق حماسةً، ولم يعد هناك طعم للبارود المحشور في البنادق، لم يعد هناك لهفة للفافة دخان يشعلها جندي مموه بلون الخنادق..فقد سقطت اجمل الجميلات وانتهى الأمر... نعقا ما نعقا وطارا..فاستيقظت قبيلة الغربان في رأسي ونقرتني حتى بكيت الماً..

 

بغداد...يا وجع نيسان.. الذي يمرّ بطيئاً في ذاكرتنا مثل قافلة متعبة،مثل حولزانة أنهكها ضعفها، كلما مرّ الربيع على شفاه الفرات..أحسّ أن الفراش يفتقد الجديلة..وأن العواصم تفتقد الجميلة... بغداد يا وجع الألفية..يا غصة في حلق أغنية... أحبّك قبل الجرح الذي حزّ خدّك، أحبّك قبل ان يلامس السيف قدّك..أحبك يا عتيقة،أحبك وأنت تركضين في قميص النهار الأزرق لا في الكفن،بغداد لم تزلي في محفظتي قصاصة حزن وقصاصة وطن.

 

ما أصعب ذاك النهار..عندما رمتني شمس الخليج بغضبها،فعدت الى بيتي مثل سنونو مصاب، سقطت على سريري حزناً...فذبحني المشهد: صور أوراق رسمية، وبقايا مقاعد دراسية، أختام وأحلام،رموش الدولة في أيادي صبيان الحقد، نبوخذ نصّر في مركز توقيف للمارقين..عروبة يتخاطفها مغول الجوار، يحرقون كل شيء يسرقون كل شيء..ويتركون وراءهم كل خراب..ياااه..ما أصدق ذاك الغراب!!.

 

عندما شاهدت اول دبابة تمشي على جسد الشهيدة بغداد.. تعربشتني قشعريرة انكسار،كأنها جيش نمل يمشي على بلاط جسدي، وعلى جلد الرصيف، دماء مكنوسة مع الزيت المحروق..ووجوه حمراء غريبة، تثير الغبار والسعار،دخان القنابل يختلط بسراب الأرواح الصاعدة من فم الموت..وأم مذعورة ذرفت دمعة فأغرقتني..يا آلهي ما أعمق دمع الأمهات..وما أوجع نوح العواصم.

 

في9 نيسان .. قلبتُ صورة بغداد المعلّقة على الجدار، وكتبت عليها الى ''إشعار''،في 9 نيسان .. مزّقت دفتري الذي كنت أخبئه تحت وسادتي..مزّقت صفحات الحرية وهتافات الانتصار..ومنذ ذلك التاريخ.. لا أنام،إلا وتحت رأسي ''بسطار''.

 

 

 

ahmedalzoubi@hotmail.com

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات