يطير الحمام

اليوم مش جاي ع بالي اتحركش بحدا.....لذلك قررت أن أكتب عن عمان ..عمان المكان
..عمان الزمان ....عمان (الزمكان) على طريقة المأسوف على شيخوخته، أبو كشة جنان (البرت اينشتاين)...الذي مات وهو يهذي بقانون موحد للكون.
عمون................دفلى حور وصفصاف ....وماء طبعا......نتؤات كالجبال ، جبال كالنتوءات، هضاب سبعة او عشرة ..لا فرق ..انها أثداء عمون التي ترضع الوطن . هي لا تحتاج الى أحد، لكن الجميع يحتاجها. ماء دائم الجريان، أودية تزنرالمدينة من كافة الجهات، وإنسان مصرّ على البقاء، يصارع الطبيعة والبشرمعا...يتدمر احيانا ، لكنه لا يهزم . نعم انها عمون ....انها طائر الفينيق الأول ، الذي كان عصيا على آلهة الموت التي ابتلعت مدنا اكبر ، ودولا اكبر ...وحضارات اكبر .
موطن العمالقة من رفائيين وزمزميين وغيرهم، وموطن العمونيين ، الذين منحوها الإسم العصي على الذوبان .عمون.....جاءها الغزاة من أطراف الأرض ، لكنها ابتلعتهم وما استطاعوا ابتلاعها ، وحولتهم الى عمال سخرة لديها، يبنون القلاع والمعابد والمدرجات ويشقون الطرق ..ثم يرحلون ..وتظل عمون عموننا .... حية وفتية عماننا في المسافة الفاصلة بين الأزل والأبد.
تايكي... .آلهة المدينة وحاميتها، انها عشتار ...عشتروت آلهة الحب السورية التي اختلسها اليونان ثم الرومان ، وعادت الينا تحت إسم تايكي .لا تسأل عن الأسماء واسأل عن الجوهر، فالوردة تبقى ذات الوردة ،يفوح عطرها الشذي حتى لو سميتها حذاء أووعاء... أو حجر.
عشرة الاف سنة من الحضارة ، منذ طفولة البشرية الأولى ،كانت عمان حضنا دافئا وملجأ أمينا . لكأن عشتروت حامية المدينة ، كانت استعارت من الشمس حرارتها، ومن القمر سحره ومن السماء براءتها ومن البحر صخبه وعمقه ،ومن الأنسان عناده الدائم في مواجهة الفناء....خلطت كل هذه الاستعارات في بوتقة المحبة ، فكانت عمان.
انها عمون طائر الفينيق الأول الذي يخرج من رماد حرائقة اكثر قوة وشبابا وحيوية . غفى طويلا – ربما ليرتاح من صحب التاريخ- ثم نهض قبل مئة عام ليبدأ دورة حياة.جديدة .....لن تنتهي أبدا ...فقد انتهى عصر الحرائق وجاء عصر الإنبعاث الدائم.
عمان ....لعبة التناقضات المتفقة المتآلفة ، إنها تحرمك من لذة ان تضيع ، فأينما أدرت « رسنك « ، ستجد نفسك ، في النهاية تصب في صحن الجامع الحسيني ... المدينة دائرة كحبل المشنقة وكطوق من الياسمين في الوقت ذاته ، إنها مدينة الدكتور « جايكل « ... إنها مدينة المستر « هايد « ... إنها لعبة التناقضات المتفقة كما اسلفت ، إنها- ربما -المدينة الوحيدة في العالم التي ( سقفت ) نهرها ، فانبثق من العدم ما يسمى بـ « سقف السيل « .
انك لا تغطس في مياه النهر الواحد مرتين ، لان مياه جديدة تجري باستمرار ، كذلك في وسط المدينة ، نادراً ما تقابل الشخص نفسه مرة أخرى ، وينطبق هذا على بائع السوس ، وتاجر الخردوات والطابور الواقف بانتظار الباص والسابلة ! لكأنك تدخل مدينة جديدة في كل مرة . مدينة تفتح صدرها وقلبها ونبضها للأوغاد والقديسين، لا فرق بينهم . إلا فيما يبيعون ( مال حلال أم مسروقات ) !!... هنا نبض الحياة الحقيقي ... هنا ترى الرذيلة ليست نقيضاً للفضيلة ، بل وجهاً مكملاً لها ... هنا الألف ، هنا « الياء « !
يطير الحمام يحط الحمام ....انها اسراب الحمام التي تراها في سماء المدينة أينما وليت وجهك. ..ترقص فرحة على الدوام ، لكأنها تحتفي بعمان دوما وتحتفل بمئويتها القادمة.
( الدستور )