من أحرق مصر؟؟

عمر هذا السؤال ستون عاما، فما يقال الآن عن الطرف الثالث الذي تنسب اليه الجرائم والحرائق، والذي يرتدي طاقية الاخفاء.
قبل عام 1952 شبت النيران في كل مكان من القاهرة، وقد يستغرب الناس اذا عرفوا بأن حارق القاهرة عام 1952 والاسكندرية قبلها بفترة وجيزة لا يزال مجهولاً، فهل سيحتاج المصريون الى ستة عقود أخرى كي يعرفوا من الذي احرق مئتي الف كتاب أو قتل مئات الرجال والنساء والأطفال أو سرق كل هذا العدد من السيارات؟
يقال ان في مصر الآن ما يزيد على عشرة ملايين قطعة سلاح منها ما هو آلي ومنها صوارخ مضادة للطائرات, وبحسب الاحصاءات التقليدية فإن ما يكتشف عادة سواء من سلاح أو مخدرات قد لا يزيد على عشرين بالمئة من الموجود بالفعل، والبعيد عن عين الرصد والرقابة.
ان ما يقال الآن في مصر أو عنها من خارجها لا تكمن خطورته في كونه قابلاً للتنفيذ، لأن مجرد تداوله هو أشبه ببالونات اختبار وأحياناً بهدف اجهاض ردود الفعل قبل موعدها وعندما يكون الفعل واضحاً، ومما يقال ان قناة السويس بكل ما تعنيه لمصر تاريخياً واستراتيجياً واقتصادياً وسيادياً هي الآن مطروحة في البورصة السياسية، وان الحرائق في مصر حتى عندما تشمل العاصمة والاسكندرية قبل ستين عاماً تسجل ضد مجهول، وان ما تبقى من حراك سياسي واجتماعي في مصر هو محصور فقط بين الاخوان المسلمين وما تبقى من النظام السابق.
انني أتذكر الآن ما كتبه د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع بعنوان التنوير من ثُقْب ابرة، عندما تحدث عن الطهطاوي وفرح انطون وآخرين من الروّاد النهضويين في نهاية القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، فاذا كان التنوير من ثقب ابرة فإن التغيير أيضاً من ثقب آخر، بحيث يبدو ادخال قطيع من الفيلة من هذا الثقب أشبه بالأحجية السياسية والفكرية.
ان أسئلة من طراز من قتل مَنْ؟ ومن أحرق العاصمة أو من حوّل عشرات الألوف من المخطوطات والوثائق الى رماد لا تزال بلا اجابة وكأن هولاكو يحمل أسماء مستعارة ويقفز من القرن الثالث عشر الى الحادي والعشرين.
ان كل ما أنجزت مصر منذ فجر الدولة حتى اليوم، هو الآن في خطر، اذا لم تنتبه الأطراف على اختلاف المواقف والايديولوجيات الى أن الأبقى من هذا الحزب أو ذاك هو مصر والمرشح الأكبر في صناديق الاقتراع هو مصر أيضاً.
كفى تلاعباً بميراث حضاري وانساني طالما حسدت البشرية كلها مصر عليه، والمطلوب الآن من الجيش ومن أي طرف يفوز في انتخابات الرئاسة هو القاء القبض على طاقية الاخفاء التي أحرقت القاهرة قبل ستين عاماً وتحرقها الآن. ( الدستور )