هيكلة حكومية !
مشاريع اعادة الهيكلة التي تقوم بها العديد من الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، وسريان العدوى بين جهة واخرى لتنفيذها بحجة تطوير العمل الرسمي وتقديم خدمات نوعية للمواطنين، بدأت تأخذ ابعادا جنحت بها عن الاهداف الحقيقية المتوخاة منها، لتصبح عبارة عن "تقليعة" يتبناها كل مسؤول جديد لدى استلامه موقعه، ويشغل بها الكوادر التي يتولى مسؤوليتها، في خدمة شركة خارجية او داخلية يحال عليها عطاء بمئات الالاف من الدنانير لانجاز هيكلتها العتيدة، مما يؤدي في كثير من الاحيان الى عرقلة العمل الرسمي لفترات طويلة، وعندما تخرج النتائج الموعودة يتبين ان الامر لا يعدو كونه مجرد نظريات يصعب تطبيقها او تجارب لدول ومجتمعات اخرى تختلف عنا في كل شيء!.
تطوير الاداء الحكومي لا يمكن الاختلاف عليه اذا ما تم وفق آلية سليمة، تأخذ في الاعتبار الكفاءات المتوفرة في جهاز الدولة من النواحي الادارية والمالية والفنية وقدرتها على تطوير العمل، والاستفادة من المجالات التدريبية في الداخل والخارج على السواء، لتأهيل الطواقم الحكومية بما تحتاج اليه من مهارات متطورة، لكن ما يحدث على ارض الواقع يبتعد كثيرا عن مثل هذا المفهوم البديهي، لأنه يأخذ اشكالا يغلب عليها الجانب التجاري والنفعي الذي يخدم من يتولون مهام الهيكلة، على حساب الاموال المرصودة في موازنة الدولة!.
امام هذا الحال يلفت النظر البلاغ الرسمي الذي اصدره رئيس الوزراء قبل ايام، وطلب بموجبه من جميع الوزارات والدوائر الحكومية التي تعمل على تنفيذ اية مشاريع تتعلق باعادة الهيكلة وتطوير الادارة المالية وتحسين الخدمات وتبسيط الاجراءات وتنمية الموارد البشرية واية مشاريع اخرى في هذا المجال معنية بتطوير الاداء الحكومي، ان تقوم بالتنسيق مع وزارة تطوير القطاع العام بهذا الخصوص، من اجل وضع حد لهذا النهج الهيكلي الذي استشرى في الاجهزة الرسمية، من دون ضوابط تضمن تحقيق الاهداف المرسومة من ورائه!.
وزارة تطوير القطاع العام التي تم استحداثها منذ اعوام لا بأس بها، كان يفترض بها وضع حد لمثل هذا التشرذم في المشاريع الحكومية المتعلقة بالتطوير الاداري والمالي والخدمي، لكن التنسيق المعدوم الى حد كبير او تماما، جعل من جهودها جزرا معزولة عما حولها من ادارات حكومية تعمل بمفردها، وتقوم بتنفيذ ما يراه مسؤولوها المباشرون من دون اي التفات لأي نوع من التعاون معها، بما يضمن التكامل والتوافق في مشاريع التطوير الشاملة المتوجب تطبيقها على جميع الجهات الحكومية بلا اي استثناء!.
لعل ما اعلنته وزارة تطوير القطاع العام من انها تقوم حاليا بتنفيذ سلسلة واسعة من البرامج والمشاريع المتعلقة بعملية اصلاح وتطوير القطاع العام، يضع حدا لعطاءات اعادة الهيكلة التي تطرحها الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية بين الحين والاخر، ما دام الهدف مشتركا في نهاية المطاف، الا وهو احداث تحسين مباشر على اداء الجهاز الحكومي وتقديم خدمات افضل للمواطنين، بعد ان تحدثنا عنه طويلا وصرفنا مبالغ كبيرة من اجل الوصول اليه، وما يزال بعيد المنال على ارض الواقع الملموس!.
ربما يكون بلاغ رئاسة الوزراء في هذا الشأن ليس الوحيد الذي تم اصداره من اجل ضبط عمليات اعادة الهيكلة في الجهاز الحكومي ووضعها في مسارها السليم، بل سبقته تعليمات مشابهة الى حد كبير في الماضي، لهذا من الاهمية بمكان متابعة الالتزام به من قبل جميع الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية، لأن الاصل ان يكون ذلك من المهام الرئيسية التي تقوم بها وزارة تطوير القطاع العام، لا ان يدار لها الظهر وكأنها غير موجودة اصلا، ويترك الحبل على الغارب للمفتونين في صرعات اعادة الهيكلة التي تنتهي الى لا شيء في اغلب الاحيان!.
العرب اليوم