على هامش مؤتمر "ديربان 2"
"إسرائيل" تقاطع المؤتمر، وتحتج لدى سويسرا، وتستدعي سفيرها هناك للتشاور، والمؤتمر قوطع أيضا من الولايات المتحدة وأستراليا وألمانيا وهولندا وايطاليا ونيوزيلاندا وكندا و فرنسا هددت على لسان وزير خارجيتها برنارد كوشنير في وقت سابق بانسحاب أوروبي من المؤتمر إذا تطرق الرئيس الإيراني لانتقاد "إسرائيل" أو السامية.
قادة "إسرائيل" الذين يطالبون بالاعتراف بها دولةً يهوديةً، شرطا للتقدم في أية تسوية دائمية، يصيبهم الهلع، والاستياء الشديد لمجرد أن تُنتقد دولتُهم، وقد عملوا على التسوية بين معاداة السامية وانتقاد "إسرائيل" مع أنهما مختلفان ، هؤلاء القادة الذين يمارسون أبشع أنواع الاحتلال يستهجنون الانتقاد، ويجرِّمون فاعله! وهم الذين يطردون الناس من بيوتهم، ويمنعونهم من الصلاة في القدس، ويستأثرون بمعظم الموارد، كالمياه التي كشف أحدث تقرير نشره البنك الدولي عن كون الإسرائيليين يتوفرون على أربعة أضعاف ما يستطيع الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة التوفر عليه منها، فضلا عن تهم جرائم الحرب التي تلاحق قادتهم، والاعترافات التي أدلى بها ضباط وجنود في جيش الاحتلال عن أوامر تلقَّوْها تسمح لهم بقتل المدنيين الفلسطينيين، وقد تناقلت ذلك عشية الحرب على غزة صحفٌ إسرائيلية كـ " هآرتس" ودولية كـ "الأوبزرفر" وكشفت تلك التقارير عن اعترافات جنود الاحتلال بأعمال بشعة أُمِروا بالتوسع فيها، وهي تشير إلى درجة عالية من نزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين، واللامبالاة بهم من قبل القادة، وحتى الحاخامات في الجيش الإسرائيلي! كل ذلك لا يُسوِّغ للعالم أن ينتقد "إسرائيل" فهي دولة فوق القانون، وفوق النقد!
والإعلام يكاد يختزل المشكلة بين "نقيضين": إيران و"إسرائيل" وبذلك تتولى الأولى رفع لواء الدفاع عن الإسلام، والقضايا الإسلامية أمام اعتداءات الثانية واحتلالها، مع أن طهران ليست مؤهلة لهذا الدور، ولا هي موثوقة بتبنيها تلك المواقف؛ لأسباب تتعلق بالدولة الإيرانية ذات الطبيعة القومية الفارسية، أولا، وللنهج البراغماتي الذي يهدف إلى توسيع نفوذها، ولو على حساب ثوابت سابقة، أو على حساب بلدان مجاورة، كالعراق وأفغانستان.
أما موقفها من "إسرائيل" فليس كما تحاول الإيهام، أنه العمل على تصفيتها والقضاء عليها؛ فقد حرص المرشد الأعلى علي خامنئي على وضع تصريحات نجاد التي هدد فيها بتدمير "إسرائيل" في إطارها المطلوب، وقد صرح مرارا وتَكرارا أن هدف إيران ليس التدمير العسكري للدولة اليهودية ولا للشعب اليهودي، بل إلحاق الهزيمة بالعقيدة الصهيونية، وحل "إسرائيل" عبر استفتاء شعبي يشارك فيه الفلسطينيون الأصليون المسلمون واليهود والمسيحيون ، فإذا خلصنا هذا الموقف من لا واقعيته المتمثلة بحل "إسرائيل" باستفتاء تبقى منه: أن طهران لا تسعى إلى التدمير العسكري لـ"إسرائيل".
وقد دأب المسؤولون الإيرانيون على القول إنهم لن يعارضوا أي اتفاق يبرمه الفلسطينيون مع "إسرائيل".
لكن الأكثر إثارة للاستهجان هو موقف تلك الدول المقاطعة، ومقدار ردود الأفعال على أي اقتراب من المحظور:"انتقاد إسرائيل" حتى أثار ذلك استياءَ الأمم المتحدة نفسها؛ لتلك المقاطعة فقد استنكرت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي مقاطعة المؤتمر، وأعربت عن شعورها بالصدمة والقلق وقالت: إن مجموعة من الدول تقاطع المؤتمر بسبب بند أو بندين مدرجين على جدول أعمال المؤتمر على حساب العديد من القضايا الأكثر أهمية.
وبمقدار ما يشي ذلك باختلال في النظام الدولي، أو ما يسمى بالمجتمع الدولي المنحاز انحيازا مَرَضيا إلى "إسرائيل" فإنه يؤكد الحاجة إلى منظومة فكرية وشرعة دولية أخرى تكون أقرب إلى العدالة، وأكثر موضوعية، وإنسانية.
وإلى أن يملأ هذا الفراغ بخطاب كهذا تبقى دول كإيران، مستفيدة من تقمص هذا الدور، ورفع تلك الشعارات.
العربية . نت