الملك فــي أميركيا.. الوجه الحقيقي للتحدّيات
يختزل كثيرٌ من المتابعين والمحللين جملة التحدّيات التي تواجه الواقع الإقليمي، ومتطلبات الأمن القومي العربي، في: بُعدها الإسرائيليّ، و التحوّلات التي أفضت إلى هذا الصعود المربك ليمين اليمين الصهيوني، و سيطرته على زمام القرار السياسي، في الدولة العبريّة، و هو اختزال مضلل، ويغفل عن قراءة عوامل أخرى، قد لا تقلّ خطورة. مثلما أنه قد يبدو هروبا من مواجهة حقيقة أزمة العامل العربي الذاتي، وقصوره الملفت في التعاطي مع الاستحقاقات الكبرى، والتي سيتحدّد معها وجه جديد للمنطقة، و مراكزها المؤثرة و تقاطعاتها.
في هذا السياق، تبدو التحوّلات في المشهد الإسرائيلي تعبيرا عن أزمة الكيان العبري؛ والذي وجد نفسه، فجأة، أمام سؤال الدور والوظيفة، لكيان لا يقوم ولا يعيش وليس لديه أمل بالاستمرار دون وظيفة. و بالتالي، فهو سؤال المصير، بالنسبة لـ عقدة القلعة المحاصرة الإسرائيليّة، والتي عجزت طيلة ستة عقود عن الاندماج في المنطقة، والتخلي عن ذهنيّة الغازي! و يدرك الإسرائيليّون، جيّدا، أن الثمن الذي يطلبونه من المجتمع الدولي لقاء إنجاح المسيرة السلميّة مع الفلسطينيين؛ لن يتحقق، طالما أن المجتمع الدولي والراعي الأمريكي، تحديدا، ينظران إلى إنهاء الصراع بوصفه استحقاقا تأخّر، أكثر ممّا ينبغي.
وعلى ذات الصعيد، ينتقل ثقل الاستراتيجيّة الأمريكيّة إلى منطقة وسط آسيا (باكستان وأفغانستان). و هو ما ينذر بتراجع أهمّية العرب من الزاوية الأمريكية؛ و بالضرورة: أهمية الصراع العربي- الإسرائيلي.. و بالتوازي، تتعاظم أهميّة إيران في الحسابات الأمريكية، وتبرز تركيا كطرف إقليمي محوري؛ خصوصا وأن الأولويّات الأمريكية في الشرق الأوسط تحدّدت، عمليّا، باتجاه تأمين ترتيبات الانسحاب من العراق، و رسم ملامح الوضع العراقي ما بعد الانسحاب، و بالإضافة طبعا، إلى حاجة أمريكيا المتنامية للدعم السياسي و اللوجستي الإيراني بأفغانستان وباكستان.
في المقابل، أفضت الحرب الإسرائيليّة على غزة إلى واقع فلسطيني جديد لم ينجح الفلسطينيون و لا العرب في احتواء آثاره؛ مع تبدّي فشل جهود المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية.. وهو ما يجعل من العامل؛ الفلسطيني، غائبا، بشكل مقلق، في التفاعلات القائمة، سواء على ساحة الصراع العربي- الإسرائيليّ، أم على صعيد التحوّل البارز في الأولويّات الأمريكيّة تجاه المنطقة وقضاياها.
ضمن هذا السياق المعقد، و الشائك، يأتي التحرّك الملكي، باتجاه الولايات المتحدة الأمريكيّة. وهو تحرّك لم يستهدف، بحسب جدول أعمال الزيارة الملكيّة، الإدارة الأمريكيّة الجديدة، وحدها، وإن كانت القمّة المشتركة هي عنوان الزيارة؛ و لكنه استهدف، أيضا، المجتمع الأمريكي وهيئاته و مراكز الضغط والتأثير في الولايات المتحدة، لصالح حشد الدعم للقضيّة الفلسطينيّة، وإعادة التأكيد على أولويّتها القصوى، والتذكير بأنها، هي ما يمثل عقدة الصراع في الشرق الأوسط.. وغياب حلها العادل أو تسويفه، هو ما يغذي التحدّيات والمخاطر التي ترى فيها الإدارة الأمريكيّة الجديدة أولويّات قصوى.
لقد استطاع جلالة الملك، خلال زيارته القائمة للولايات المتحدة، و التي تكللت بالقمّة الأردنيّة- الأمريكيّة، أن يطرح قضايا المنطقة و مصالحها الاستراتيجيّة، (و بتفويض عربي معلن نجح في تجاوز إشكالات وتعقيدات الوضع العربي الراهن)؛ مؤكدا على مركزيّة القضيّة الفلسطينيّة.. و حصريّة صيغة الدولتين، كقاعدة وحيدة للحلّ. و بغير ذلك، فإن أيّ أولويّة أخرى طرأت أو قد تطرأ، ستبقى محكومة باعتبارات الفشل بالتعامل مع الملف الفلسطيني.
الرأي