اقطعوا الشارع معه

بعد أن صارت طرقاتنا تُقطع (عالرايحة والجاية)، لأسباب سياسية واقتصادية، وبمشاجرات عارمة. وصلتني رسالة من أطفال واحدة من مدننا المزدحمة، أعتذر عن ذكر اسمها، يتوعدون بإغلاق الشارع الرئيسي، للعب مباراة كرة قدم احتجاجية، على عدم وجود أية ساحة، أو ملاعب في مدينة سكانها ثلاثون ألف نسمة، أو يزيدون.
أتذكرنا حالنا، أولاداً في حارة جبلية، تحتاج جهداً عفريتياً حينما يكون مرمى الخصم في رأس الطلعة. وأتحسر على الكرات، التي مزقتها سكاكين من دخلت أحواشهم وكسرت ورودهم، وعرائش دواليهم. مما اضطرنا أن نلعب بكرات الجوارب، ومرطبانات الطحينية البلاستيكية. وما زالت تسكنني تلك الشناديف (الشتائم الكبيرة تحت الحزامية)، التي كان يقذفها جارنا الختيار، كلما ضربت الكرة بابهم الآيل للكركعة والصرير. ولن ننسى الماء المفلفل المدلوق على رؤوسنا من شرفات الجارات الغاضبات.
لهذا أتضامن مع أطفال تلك المدينة، وكل مدننا التي نسيت أن لها أطفالاً، يريدون اللعب، أتضامن معهم، وسأركن سيارتي بعيداً عن مرماهم، وأشجعهم بعلو صوتي وقلمي؛ عل صوتنا يصل للمسؤولين، فيلتفتون للطفولة، ويوفرون ملعباً أو ساحة لنشاطاتهم الصيفية.
وإذا كانت بيوتنا سترثي حالها، بعدما تفرغ أبناؤها لعطلتهم الطويلة، فأنا سأرثي لحالنا وأفكارنا أننا ما زلنا نسمي فترة الإنقطاع عن الدراسة، بأنها (عطلة)، أي تتعطل فيها حياة أطفالنا. وأستغرب أننا لا ننظر لهذه الفترة الزمنية المهمة، بأنه إمتداد طبيعي للمدرسة، والتعليم، والتثقيف، والترويح، والمتعة.
حدائقنا العامة قليلة، أو غير متوفرة، لأننا ركزنا على زراعة الحجر والشوارع، ونسينا أن نحسب حساب الطفولة واحتياجاتها، وفي حال وجود تلك الحدائق البائسة، سنلحظ الآباء وهم يجلسون بصرامة مفتعلة يراقبون أبناءهم بملل وتكشير، والأمهات المنكمشات يحسبن بالثوان موعد إغلاق الحديقة، كي يسترحن من هذا الهم، الذي يسمى لعبا.
يا ناس، دعوهم يلعبون، ويمرحون، ويتعلمون، دعوهم يعيشون وقتهم بصدق، فبهذا ننشئ جيلاً مكتمل النمو. وإذا كان من الجيد أن نوفر لأبنائنا وسائل اللعب، فإنه من الأجمل أن نشاركهم طفولتهم، ونعيشها معهم، وأن نلعب معهم أحياناً، ونشعرهم بأننا نقدر لهم هذه الأوقات التي يعيشونها، وبهذا نصنع سعادتهم، وسعادتنا. ( الدستور )