ديربان - 2 سؤال مفتوح واجابة حائرة!
كان من الصعب ان نصدق ما حدث في مؤتمر مناهضة العنصرية في جنيف، وهو المؤتمر الثاني المكمل لمؤتمر ديربان الذي عقد في جنوب افريقيا في يونيو (حزيران) 2001 أي قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) في نيويورك التي احدثت تأثيرا كبيرا على الساحة الدولية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
فقد كان المؤتمر الدولي (ديربان - 2) مناسبة مهمة للكشف عن المزيد من عنصرية الحركة الصهيونية والدولة العبرية التي (تكافح ) لان تكون (يهودية) مئة بالمئة، وهو فرصة لكسب مزيد من التأييد والدعم للقضية الفلسطينية التي تحمل قصة اكبر نموذج للعنصرية وممارساتها البغيضة باخراج شعب من ارضه وتشريده في بقاع العالم ليحل محله شعب اخر غريب عن الارض والتاريخ فيها .
فالوجود العربي من حيث الكم لم يكن قليلا في هذا المؤتمر ، ولكن دور العرب كان ضعيفا واتسم بالتردد والخجل والخوف من طرح القضايا الجوهرية التي كان بعض المشاركين يعتقد انها ستقود الى فشل المؤتمر.
وما حدث خلال المؤتمر، وقبله، هو مقاطعة اسرائيل واميركا واستراليا وكندا لاعماله مسبقا ثم انسحاب دول اوروبية كثيرة من جلسة الافتتاح احتجاجا على خطاب الرئيس الايراني الذي كان شديد اللهجة في ادانة اسرائيل والصهيونية وربطهما بالعنصرية.
وأمام ذلك جاء الانسحاب، فاقدا لمبررات حقيقية لان كلام نجاد لم يجاوز الحقيقة في شيء، فقد كان يتحدث بمضامين مشابهة لقرار الامم المتحدة (الرقم 3379) الذي كان يؤكد ان الصهيونية هي شكل من اشكال العنصرية والتمييز العنصري. على الرغم من ان الامم المتحدة عادت عن هذا القرار الصادر في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 وتراجعت عن مضامينه بقرار يلغيه ويتضمن اعتذارا لاسرائيل وذلك عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية.
ولو راجعنا قرارات المنظمة الدولية (الجمعية العامة للامم المتحدة ومجلس الامن) لوجدنا فيها الكثير من الاشارات المباشرة الى عنصرية اسرائيل والصهيونية العالمية وممارساتهما الجائرة ضد الشعب الفلسطيني خاصة والشعب العربي عامة. غير ان هذا كله لم يكن كافيا لكي تحضر الدول الغربية (اميركا وبريطانيا وفرنسا وحلفائها) مؤتمرا دوليا خشية ان يكون في قراراته انتقادات لاسرائيل! ان هذه المقاطعة وذلك الانسحاب من المؤتمر على ضعف ما صدر عنه من قرارات اتسمت بالمجاملة والتدليس ولم تكن بقوة قرارات المؤتمر الاول (ديربان -1) للظروف الموضوعية السائدة نفسها، اقول ان هذه المقاطعة والانسحاب تشكل وصمة عار للدول التي شاركت فيها كونها تتنافى مع مبادئ الانسانية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان والديمقراطية التي تنفخ هذه الدول في ابواقها ليل نهار وتحاول ان تسوقها على الدول النامية ومنها الدول العربية ودول العالم الاسلامي.
ومما لا يمكن تصديقه ان يكون هؤلاء المقاطعون والانسحابيون هم احفاد لينكولن وحملة الماجناكرتا وورقة افكار الثورة الفرنسية وعصر التنوير الاوروبي! هل كنا بحاجة الى مزيد من القرارات الدولية التي تدين اسرائيل او تكشف عن عنصريتها؟! ثمة اجابة حائرة على هذا السؤال ونحن نعرف ان حجم القرارات المماثلة كبير جدا، وان الاف الاطنان من الورق قد استهلكت من اجل حمل تلك القرارات التي لا تجد من يفعلها!