بدل الركض وراء السراب !!

لا يوجد مثل ينطبق على هذا الحوار الفلسطيني، الذي لا يشبه حوار الطرشان لأن الطرشان يتفاهمون بالإشارات، إلاَّ ذلك المثل المتعلق بفلاسفة بيزنطة الذين عندما اقتحم الفرسان العثمانيون أبواب القسطنطينية (اسطنبول) كانوا ينخرطون في جدل حول جنس الملائكة وهل هم ذكوراً أم إناثاً وحول من جاء أولاً هل هو البيضة أم الدجاجة.
من المقرر أن يُستأنف الحوار الفلسطيني اليوم مجدداً في القاهرة، هذا إن لم يطرأ ما قد يفرض التأجيل يوماً أو يومين أو الى يوم القيامة، وسيسمع الشعب الفلسطيني الذي سئم هذه الحوارات ولم يعد يعول عليها أي شيء أنغام الاسطوانة المشروخة نفسها وستتمسك حماس بكل ما يديم إمارتها في غزة بينما ستتمسك فتح بما تعتبره برنامجاً واقعياً سيضع تبنيه الحالة الفلسطينية على خط حل الدولتين الذي أصبح مطلباً للعالم كله.
إنه من غير المتوقع ان تتراجع حماس عن مواقفها المعلنة التي غدت معروفة لكثرة ما ترددت وجرى الحديث عنها فهذه الحركة كانت تعرف تمام المعرفة ما تريده وما تسعى إليه عندما بقيت ترفض دخول إطار منظمة التحرير الفلسطينية رغم كل الإغراءات التي قُدِّمت إليها وعندما تراجعت عن إتفاق مكة المكرمة.
غير متوقع وغير ممكن الاتفاق على موقف الحد الأدنى فحركة فتح وحركة حماس تسيران في خطين متوازيين فبينما ترى الأولى أنه لا تجوز إدارة الظهر للعالم وأنه لا بدَّ من التعاطي مع ما هو ممكن للاستفادة من كل هذا التعاطف الدولي مع حل الدولتين والإلتزام به فإن الحركة الثانية ليست بوارد ان تخيط بهذه المسلة فهي مرتبطة بذلك الحلف المعروف الذي لا توجهاته توجهات الشعب الفلسطيني ولا همومه هموم هذا الشعب والذي يعتبر ان السلام يشكل عبئاً على تطلعاته الإقليمية.
إنه أمر محزن ومحبط بالفعل فالعالم كله ينشغل بالقضية الفلسطينية رغم انشغالاته الكثيرة والعرب استجد لديهم هذا التحرك الجدي والواعد وكل هذا وأصحاب القضية يشتبكون في هذا الخلاف غير المبرر ويواصلون حواراً هم يعرفون قبل غيرهم أنه سيكون بلا أي فائدة وأنه مجرد ضحك على ذقون الفلسطينيين الذين يذوقون الأمرين يومياً وفي كل ساعة على حواجز الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية.
هناك حالة إنفصال حقيقي بين الضفة الغربية وغزة بدأت بذلك الانقلاب الدموي الذي وقع في منتصف حزيران (يونيو) العام 2007 وهو انفصال سياسي وجغرافي يبدو ان الذين قاموا بهذا الانقلاب من أجله متمسكون به ومصرون عليه وهناك عملية السلام التي رغم تباطؤها ورغم انسداد الأفق أمامها على مدى كل السنوات التي مضت من هذا القرن الجديد فإنها تبقى الخيار الأفضل لأن الخيار الذي يطرح كبديل لها غير ممكن في ظل واقع الأمور في هذه المنطقة وفي العالم كله.
لقد أصبحت هذه الحالة الفلسطينية المزرية والمحزنة والمحبطة فالج لا تعالج ومرضاً يستعصي على الشفاء ولذلك فإنه على أبو مازن ، بينما بات العالم يطرق قضية فلسطين بكل هذه القوة وبينما انتقل العرب بمبادرتهم إلى مرحلة جديدة واعدة ومشجعة، ألاَّ يبقى يلاحق هذا الحوار الذي يشبه سراب الصحراء وإن عليه ان يصارح شعبه بالحقائق الموجعة حيث ان هذا الانقسام لا تلوح نهاية له حتى في الأفق البعيد وأنه بالتالي لابد من تغليب مصلحة الشعب الفلسطيني على مصالح هذه الفصائل والتنظيمات والمنظمات المرتبطة حتى النخاع الشوكي ب أجندات خارجية واغتنام هذه اللحظة التاريخية التي غدت ملائمة رغم كل شيء والمضي بعملية السلام استجابة للمستجدات العربية والدولية.
الرأي