نبش الخصخصة !

حتى لا يكون التقييم المنتظر لبرنامج التخاصية , فاتحة لجدل جديد يعود بنا الى مربع التشكيك وبالتالي العودة الى نبش الإتفاقيات , فالدراسة ونتائجها المنتظرة والتي أشر عليها الملك يجب أن تؤخذ بإعتبار أنها هدي لتصويب أية إختلالات في أليات توزيع مكاسب التنمية ومكاسب البرنامج في المقدمة وهو الذي لا تزال الحكومة والصناديق الوطنية تحصل على الحصة الأكبر من عائداته عبر الضرائب والأرباح , ولا يجب أن تعني كما قد يتبادر الى ذهن البعض مدخلا للمطالبة بإلغاء هذه الإتفاقيات وتأميم الشركات بحجة أن ظلما وقع في أسعار البيع .
معروف أن برنامج التخاصية بدأ في عام 1998 ولم ينحصر في فترة السنوات العشر الماضية وإن كان شهد خلالها زخما فاق فترة البداية وقد كان الهدف منه تحقيق استقرار مالي ونقدي. و رفع إنتاجية وكفاءة القطاعات المختلفة على قاعدة المنافسة مع دخول القطاع الخاص المحلي والعربي والدولي ضمن اطار تنظيمي يضمن منافسة عادلة بين الجميع ليأخذ دوره في قيادة الاقتصاد بدلا من القطاع العام .
معروف كذلك أن إدارة الحكومات للمشاريع في وقت سابق قاد إلى تراكم مديونية بلغت 7 مليارات دينار والسبب اللجوء للاستدانة للتمويل بينما كان ضعف الإدارة يهدر المال في توسيع قاعدة التوظيف وقد فوت غياب المعرفة الفرصة على التطوير
لقد حسم المجلس العالي لتفسير الدستور الجدل في شأن دستورية إتفاقيات الخصخصة وقانونيتها فالبرنامج والقرارات المتخذة فيه لم تخرج من العدم , فقد أتخذت جميعها في مجلس الوزراء صاحب الولاية , والصفقات فيها لم تكن سرية فقد كانت متاحة لإطلاع الجميع وتمت وفقا للقوانين .
معروف أن الحكومة لم تنسحب كليا من الشركات التي خصخصت , فاحتفظت الى جوار الضمان الإجتماعي بحصة مؤثرة تتجاوز 26% في البوتاس ولها الى جانب الضمان 42% في الفوسفات , فما الذي يمنعها من الشراكة الفاعلة في الإدارة أو حتى الهيمنة أو التأثير بنفوذ هذه الحصص فلها ممثلين في مجالس الإدارة يفوقون عددا نظراءهم من القطاع الخاص أو الشركاء كما أنها أي الحكومة شريكة الى جوار الضمان وهو صندوق إدخار الأردنيين في تقاسم الأرباح العائدة على الحصص ., فشركة الفوسفات أردنية وكذلك هي شركة الإسمنت أما شركة البوتاس فهي أردنية عربية وبقيت الملكية الأردنية الناقل الوطني للمملكة والمطار هو مطار أردني دولي .
يأخذ البعض على البرنامج على أنه تسبب بهدر ثروات وأنه أضاع على الخزينة أموالا طائلة لمصلحة المستثمرين , لكن هؤلاء لم يسألوا عن اسباب الخسائر والهدر وفقدان الأسواق وإخفاق التطوير واسباب التوظيفات التي كانت تتم بالجملة خلال إدارتهم لهذه الشركات , التي قفزت أرباح بعضها لعشرات الأضعاف خلال أقل من سنة على مغادرة بعضهم إدارة هذه الشركات فلماذا لا تشمل الدراسة المنتظرة أسباب خسائر هذه الشركات قبل البحث عن أسباب تحولها الى الربح بعد الخصخصة !.
العودة عن الخصخصة ليست قضية صعبة إذ بإمكان الحكومة تأميم الشركات بجرة قلم وبإمكانها شراء أسهم الأغلبية فيها إن كانت تمتلك مالا فائضا , لكن لا الحكومة تمتلك ترف المال أو حتى تدبيره لإعادة شراء الأسهم بسعر السوق اليوم ولا هي بقادرة على تحمل عبء إدارة شركات سرعان ما ستتحول الى صناديق جديدة للمعونة الإجتماعية حتى لو كانت حكومة إشتراكية , لكن الأهم من ذلك هو هل بالإمكان التضحية بسمعة الإلتزام بالإتفاقيات الدولية وهي رأسمال ثقة المستثمرين حول العالم ؟...
التحفظات المتأخرة على خصخصة الفوسفات والبوتاس والاسمنت جاءت بعد الصعود المثير لأسعار أسهمها في البورصة مقارنة بأسعار بيعها عند خصخصتها وبعد الأرقام القياسية التي حققتها في المبيعات وفي الأرباح , وبينما لم يشر أحد الى أسباب هذه القفزات أسرفت الغالبية في اثارة الشكوك حول ظروف البيع وإبداء الندم بدعوى أن الخصخصة لو لم تتم لكانت خزينة الدولة اليوم تفيض بالأموال الضائعة . .
نجحت بعض الأصوات في حصر مفهوم الخصخصة في إطارها الضيق وهو مجرد البيع أو نقل الملكية الى الأفراد أو الشركات أو رجال الأعمال ما سهل النقد وحرض الرأي العام على رفضه بإغفال قائمة عريضة من المزايا تبدأ بنقل المعرفة والتطوير والتحديث وإرتياد الأسواق الجديدة ولا تنتهي بتطوير القوى البشرية , وهو الرصيد الأهم , فلم نسمع
أخيرا ليس صحيحا أن الدور الإجتماعي أو ما يسمى بالمسؤولية الإجتماعية لهذه الشركات دور غائب , إذ بالإمكان سرد مئات الأمثلة على مثل هذا الدور, بدءا بالتوظيف ودعم البلديات والمدارس والتبرعات للجمعيات والبعثات الدراسية وغيرها .. الحاجة فقط لأن يكون هذا الدور مؤسسيا ومجمعا كي يتسنى تطويره وكي يكون ظاهرا .( الرأي )