ماذا تفعل الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ؟

يمكن اعتبار القائمين على البرنامج التنفيذي للاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي تم اطلاقها في منتصف شهر حزيران الماضي في وضع لا يحسدون عليه، لانهم يواجهون تحديا مزمنا ليس من السهولة مواجهته في ظل ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة يتمثل في البطالة التي ما زالت تفرض يدها العليا على كل الخطط والمشاريع القادرة على توفير فرص العمل، ما دامت اعدادها غير قادرة على استيعاب جحافل من ذوي المؤهلات والخبرات المختلفة الذين تنضم مواكب جديدة منهم الى طوابير العاطلين عن العمل سنويا لتظل معدلاتهم تراوح حول 13% بموجب الارقام الرسمية.!
تشير الارقام الصادرة عن هذه الاستراتيجية الى ان الاقتصاد الاردني بمجمله قد استحدث نصف مليون فرصة عمل خلال العقد الاخير من الزمن اي بمعدل خمسين الف وظيفة سنويا ذهب منها للاردنيين ثلاثمئة الف فقط لا غير اي بنسبة ستين بالمئة في حين حظي الوافدون بمئتي الف منها خلال ذات الفترة، مما يعني ان جيمع الفرص العملية المتوفرة لا تعادل اعداد خريجي الجامعات خلال سنة واحدة وفقا لتقديرات وزارة التعليم العالي التي تفيد انهم يصلون الى حوالي ستين الفا، هذا غير المتوافدين على سوق العمل من جميع القطاعات الاخرى التي تزيد عن ذلك بكثير!
ما يزيد ازمة البطالة تعقيدا ويعزز من تفوقها على قدرات البرنامج التنفيذي للاستراتيجية الوطنية للتشغيل هو حجم العاطلين عن العمل الذين وصل تراكمهم وفق احدث البيانات الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة حتى مطلع العام الحالي الى حوالي 185 الفا، حيث شكل الذكور سبعين بالمئة من مجموع هؤلاء بواقع 129 الفا بينما شكلت الاناث ما نسبته ثلاثين بالمئة بواقع 56 الفا، وبمقارنة هؤلاء مع قوة العمل الاردنية الكاملة التي تقدر بحوالي المليون واربعمئة الف يتبين المدى الطويل الذي قد يستغرقه استيعابهم في سوق العمل الاردني فكيف الحال مع الروافد التي تنضم اليهم يوما بعد اخر من دون ان تلوح في الافق بوارق امل يمكن ان تغير من هذا الواقع الى الافضل لا الاسوأ طبعا!
جميل ان تعترف هذه الاستراتيجية بان عملية استحداث فرص عمل بالكمية والنوعية التي يحتاج اليها الاردن تتطلب توجها استراتيجيا يركز على سياسات اقتصادية قادرة على توليد النمو الاقتصادي وفرص عمل ذات نوعية عالية للاردنيين، مع تهيئة قوة عاملة ماهرة تتلاءم مع احتياجات سوق العمل الاردني، لكن الاجمل ان تكون الخطط الموضوعة لتطبيق ذلك على المديات القصيرة والمتوسطة والطويلة قائمة على تحقيق اهداف واقعية يمكن ترجمتها الى ارقام تزيد من اعداد العاملين وتعمل على تخفيض طوابير العاطلين، لا ان تبقى المراوحة الراهنة والماضية تفرض نفسها من دون اختراقات تزحزح مستويات البطالة عن مكانتها المتقدمة والمتحدية لكل الخطط والاستراتيجيات على مدار العقود الماضية وحتى الان ! .
كيف يمكن الالتزام بميثاق التشغيل الاردني المنبثق عن الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والذي يدعو الى تحفيز القطاع الخاص الى توفير اثنتي عشرة الف فرصة عمل اضافية للعمل حتى عام 2013م واثنتين وعشرين الفا في عام 2014م، مع زيادة فرص التوظيف الحكومي لتتجاوز عشرة الاف وظيفة هي معدلها العام من اجل استيعاب من ينتظرون بفارغ الصبر بعد سنوات طوال ومشاق مضنية .. مثل هذا التساؤل يظل معلقا في الهواء الى ان تبدأ البطالة بالتوجه نزولا لا صعودا عن القمة التي تتربع عليها منذ زمن بعيد ! .( العرب اليوم )