هل يورط نتنياهو أوباما؟

لم تفش صحيفة «التايمز» البريطانية سراً حقيقياً حين نشرت موضوعاً قبل حوالي أسبوعين عن استعداد الجيش الإسرائيلي لشن ضربات جوية واسعة النطاق ضد منشآت نووية إيرانية إذا أصدرت الحكومة الإسرائيلية أوامر بذلك.
وكانت الصحيفة قد نقلت عن مسؤول إسرائيلي في مجال الدفاع للصحيفة “إن إسرائيل تريد أن تكون واثقة من أنه في حال تلقي جيشها الضوء الأخضر، فإنه يمكنها ضرب إيران في غضون أيام قليلة أو حتى ساعات” .
وهي تستعد على جميع المستويات لهذا الاحتمال. والرسالة الموجهة لإيران هي أن التهديد ليس فقط كلامياً.
وقال: إن الاستعدادات تشمل اقتناء إسرائيل ثلاث طائرات رادار من نوع “أواكس” وهي تعتزم القيام بتدريبات على المستوى الوطني لإعداد السكان لعمليات انتقامية محتملة، إلا أن المسؤول لم يذكر شيئاً عن الضوء الأخضر، إن كان سيأتي من داخل أصحاب القرار الاسرائيليين أم من البيت الأبيض الأمريكي.
وعلى الجانب الآخر، قال الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس، إنه ليس هناك حل عسكري للخلاف حول برنامج إيران النووي ، وابلغ جورج ميتشل المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط خلال لقائه بأن \" الحل في (قضية) إيران ليس حلاً عسكرياً \".
ووفق ما ذكرته مراسلة ال\"بي بي سي \" ، فإن بيريس قال إن الحديث عن هجوم إسرائيلي محتمل لمواقع إيرانية غير صحيح.
داعياً إلى خلق تعاون دولي واسع” للتعاطي مع المسألة الإيرانية، ويتفق هذا الكلام مع تصريحات باراك أوباما بشأن إيران والرسائل التي وجهها إليها من أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل الخلافات، مما يعني أن أمريكا تراجعت خطوة إلى الوراء فيما يخص التهديدات بشن هجوم واسع على المفاعلات النووية الإيرانية، التي دأب الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش في إطلاقها ضد إيران، وكاد أن يهم بمهاجمتها.
لا بد من القول في البداية إنه لا يمكن الاطمئنان إلى نفي أو تأكيد اسرائيلي بشأن ضرب إيران، لأن النفي يكون غير صحيح والتأكيد يكون نفياً، وهذا ما حدث قبل الحرب على غزة، حين أطلق المسؤولون الاسرائيليون تصريحات بأن لا نية لديهم للقيام بهجوم واسع النطاق على غزة، إلا أنهم فعلوا العكس بعدها بيومين.
إن الأمر مع إيران يختلف هذه المرة، أولاً: القيادتان في الجانب الاسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية قد تغيرتا، حلّ أوباما مكان بوش، وحل نتنياهو مكان إيهود أولمرت ، وهذا الإحلال هو المربك في التوجه نحو التعاطي مع قضية المفاعلات النووية الإيرانية، فأوباما كما يبدو معتدل يميل إلى الحوار، ونتنياهو كما يبدو مغامر و مستعد لخوض غمار الحرب مهما كانت النتائج، ولكن السؤال الخطر هو: هل يستطيع نتنياهو توريط أوباما في المعركة أو الهجوم؟ وهل يمكن لأوباما إعطاء الضوء الأخضر سراً ومن تحت الطاولة؟
في الواقع كل شيء وارد، هكذا تقول السياسة من دون أن تحسم أحد الاحتمالين، إلا أنه من المؤكد أن نتنياهو لا يستطيع اتخاذ قرار ضرب إيران بمفرده، كما لا يستطيع أوباما أن يقف على الحياد إذا ما أقدم نتنياهو على ضرب إيران، خاصة إذا ما تمكنت إيران من احتواء الضربة وإطلاق صواريخها باتجاه الجانب الاسرائيلي، لتنتشر المواجهة التي قد تعمّ الدول المحيطة باسرائيل إضافة إلى دول الخليج، وهذا لا يعني أن يتحالف العرب على سبيل المثال مع اسرائيل، أو تدخل دول التعاون الخليجي في مواجهة عسكرية مع إيران، إلا أنه بمجرد بدء الضربة، فإنه لا أحد يستطيع التكهن في مجرياتها وتداعياتها، خاصة أن القوة العسكرية الأمريكية ستتعرض للصواريخ الإيرانية، حتى لو لم تقم بمهاجمة إيران.
وهذا يعني، أنه إذا لم يتمكن نتنياهو من توريط أمريكا، فإن إيران هي التي ستقوم بتوريطها، على اعتبار أن أمريكا هي شريك رئيس مع اسرائيل، ولا بد من ضربة استباقية عسكرية، أو أنها تخلط الأوراق كلها دفعة واحدة حتى يصعب ترتيبها من جديد، وحتى تجعل أمريكا تدرك أن وقوفها المباشر أو غير المباشر مع اسرائيل سيجلب عليها المشاكل وربما الدمار.
من أجل المعادلة آنفة الذكر، التي تبدو مربكة بعض الشيء، ستعمل أمريكا قدر استطاعتها على لجم شهوة نتنياهو عن القيام بمغامرة خطرة جدا، وستفوّت عليه فرصة الدخول للتاريخ من أوسع أبوابه، فقد عودنا الاسرائيليون على أن يقوم أحدهم بعمل ما فور تسلمه هرم السلطة، فهل تنجح أمريكا في ترويض نتنياهو المتطرف؟
هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية قالت كلاماً حاسماً بشأن المسألة الإيرانية، وهددت بفرض عقوبات قاسية على إيران إذا فشلت التسوية السياسية، ولم تتطرق إلى عمل عسكري، وهو ما يربك نتنياهو أكثر، ويجعله إما أن يستسلم أو أن يغامر. ففي الحالة الأولى سيبقى رئيس وزراء هامشياً، ولن يتم تسليط الأضواء عليه كما حدث مع أولمرت في العام 2006 إبان حربه مع حزب الله، وإن فشل مشروعه، وفي الحالة الثانية، فإنه يراهن على مصداقية أمريكا بشأن التزامها بالدفاع عن اسرائيل وضمان تفوقه. وبشكل عام، لا بد لنتنياهو من القيام بأمر ما، غير عادي، لتشكيل صورته من جديد، ولكن بعد دراسة وافية لشخصية أوباما، التي، وكما يبدو، لم توضع على المحك بعد.
يتضح من المشهد العام في هذا الصراع، خروج العنصر العربي من تكويناته ومساحاته، إلى درجة تبدو فيها اللعبة خالية من ذلك العنصر، وبمعنى آخر، فإن العرب لا يدرون على وجه الدقة ما يتم التخطيط له في المنطقة، وهو أمر يجعل آثار أي احتمال من احتمالي نتنياهو، الركون أو المغامرة، أقرب إلى الصدمة.
فهل سيتحرك المسؤولون العرب لدراسة هذه المسألة وتحديد موقفهم الذي أعلنوه في عهد بوش من أنهم ضد أي ضربة عسكرية لإيران، أو ضد أن تستخدم أراضيهم لتوجيه تلك الضربة؟
القدس المقدسية