سنحرق إسرائيل... سندمر إيران

يعتقد البعض بصدقية التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل الا إننا لا نشاركهم مصداقية تلك التهديدات استناداً الى النقاط التالية:-
1 - النجاح التركي: ركزت الدعاية الإيرانية من قنوات وصحف وتصريحات ومهرجانات على أن قضية طهران الأولى والأساسية هي القضية الفلسطينية والدفاع عن الفلسطينيين وتحرير كامل الأراضي الفلسطينية. ومن أجل هذا امتلأت التصريحات الإيرانية الرسمية طوال ثلاثين عاماً بالتهديدات والوعيد بحرق إسرائيل ومن يساندها دفاعاً عن القدس، حتى تعلق الرأي العام العربي والإسلامي بكل ما هو إيراني. وأصبحت إيران مثالاً للقوة والأمل في تحرير فلسطين وحرق إسرائيل.
ولكن الدخول التركي الجديد بقيادة أردوغان ونجاحه على الساحة الفلسطينية وساحة الشرق الأوسط عموماً أصبح يهدد الدور الإيراني على الساحة الفلسطينية، خصوصاً أن واشنطن والعواصم الأوروبية تعلم بأن تركيا تقول وتفعل، مما جعل الجماهير العربية والإسلامية تنحرف في دعمها وإعجابها من طهران إلى أنقرة. وانبرى العديد من الكتاب والمحللين على اتهام إيران بأنها كانت تلعب بمشاعر القضية الفلسطينية وتستخدمها للدعاية لنفسها. ولهذا فإن إيران تحاول الآن استعادة بريقها تجاه القضية الفلسطينية من خلال العودة الى سياسة التصريحات النارية بحرق إسرائيل... ولكن من غير إطلاق رصاصة واحدة ضد تل أبيب.
2 - انتصار «حماس»: كان صمود «حماس» وتصديها لأقوى جيش بالمنطقة شيئاً لم تتوقعه إسرائيل ولا إدارة بوش ولا حتى الجماهير العربية والإسلامية، والتي شعرت وللمرة الأولى بطعم الانتصار الفلسطيني ضد إسرائيل، نظراً إلى أن انتصار «حزب الله» على إسرائيل كان دفاعاً عن أرض لبنانية وليست فلسطينية، علاوة على موافقة «حزب الله» بعدم التعرض إلى إسرائيل بعكس «حماس»، والتي أوقفت الدخول الإسرائيلي لغزة، مع تعهدها بأن لن توقف الحرب على إسرائيل والمعركة مستمرة. ولهذا فإن هذا الانتصار الفلسطيني على إسرائيل أوضح بما لا يدع مجالاً للشك مدى زيف التصريحات الإيرانية بحرق إسرائيل، حسب قول المراقبين، ذلك لأن من أحرق إسرائيل بالصواريخ هي «حماس»، لدرجة أن إسرائيل وواشنطن وأوروبا كانوا يشتكون من «حماس» على استمرارها إطلاق للصواريخ تجاه الأراضي الإسرائيلية.
ولهذا فإن نجاح «حماس» هذا سحب البساط من طهران، والتي لم تتدخل وتطلق رصاصة واحدة ضد إسرائيل في عدوانها على غزة، سيجبر الدعاية الإيرانية مجدداً إلى العودة وبكل قوة إلى سياسة التصريحات النارية بحرق إسرائيل، ولكن من دون إطلاق رصاصة واحدة تجاه تل أبيب.
3 - تبادل المنافع: لا يمكن لأحد أن ينكر، إلا أصحاب الأجندة الإيرانية والإسرائيلية طبعاً، أن التصريحات الإيرانية النارية بحرق إسرائيل وإنكار المحرقة هي بمثابة هبة وهدية إيرانية لتل أبيب. ذلك لأن الإسرائيليين سيستفيدون من هذه التصريحات في إقناع دول العالم، بما فيها الرأي العام الغربي الذي تعاطف مع الفلسطينيين أخيراً، في أن إيران دولة تريد تدمير دولة إسرائيل الديموقراطية المسالمة، التي عانت كثيراً من المحرقة، والتي ينكرها الرئيس محمود أحمدي نجاد. وفي ذلك دعم كبير لإسرائيل في استمرار تلقي التعاطف من دول ومؤسسات العالم الغربي. بالمقابل، فإن التصريحات الإسرائيلية بتدمير إيران ومنشئاتها النووية تعتبر أيضاً هدية إسرائيلية لا تقدر بثمن لإيران. فهذه التهديدات ستعزز سياسياً وإعلامياً وجماهيرياً مكانة وقوة طهران على ساحة الشرق الأوسط، والتي من شأنها إقصاء دول أخرى عن لعب أي دور، ما قد يهدد، فعلياً، وليس مجرد تصريحات، استقرار وأمن إسرائيل. كما أنها أيضاً ستقوي لدى الرأي العام العربي والإسلامي نظرية أن إيران هي الند والطرف القادر على مواجهة إسرائيل، وهو ما سترحب به إسرائيل كون طهران عدواً وهمياً يطلق مجرد تصريحات صحافية تستفيد منها في استعطاف العالم الغربي.
إن الأمانة الصحافية تجبرنا على القول إن استمرار التصريحات الإيرانية والإسرائيلية تجاه بعضهما مصلحة متبادلة. فطهران مستفيدة سياسياً وإعلامياً من تصريحات تل أبيب بتدمير إيران ومنشآتها النووية، إذ لم تطلق طوال ثلاثين عاماً صاروخاً واحداً على طهران. وإسرائيل مستفيدة، أيضاً، سياسياً وإعلامياً واقتصادياً من التصريحات الإيرانية بحرق تل أبيب، إذ لم تطلق طهران رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، لأنها مجرد تصريحات.
هذا بالإضافة إلى أن تبادل المنافع هذا يهدف وبشكل واضح الى إقصاء انتصار «حماس» عن طريق إجبار العالم على الاقتناع بأن المعركة هي بين طهران وتل أبيب وليس بين إسرائيل والفلسطينيين أو «حماس».
ومن أجل ديمومة هذه المنفعة المتبادلة لكلا الطرفين سيستمر الإيرانيون بصراخهم المعهود: سنحرق تل أبيب. بينما سيستمر الإسرائيليون بالرد، وبابتسامة اليهودي الخبيثة، قائلين: سندمر طهران.
العربية . نت