الضباط الأربعة «الأحرار»

تم نشره الخميس 30 نيسان / أبريل 2009 11:29 صباحاً
الضباط الأربعة «الأحرار»
عريب الرنتاوي

قضى الجنرالات اللبنانيون المحتجزون على ذمة التحقيق في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري 44 شهرا في الحبس الانفرادي ، كانوا خلال 42 شهرا منها ، على ذمة القضاء اللبناني وتحت ولايته ، في حين لم يمض على وجودهم تحت ولاية القضاء الدولي والمحكمة الخاصة بلبنان سوى شهرين اثنين فقط ، كانا كافيين على ما يبدو ، لترجمة ودراسة وتحليل ملفات القضية الثقيلة ، والنطق بقرار إخلاء سبيل الموقوفين دون قيد أو شرط ، اللهم إلا ذاك المفروض على الحكومة اللبنانية والقاضي بتوفير الحماية الأمنية لهم طالما ظلوا بحاجتها.

محطة مهمة بلا شك ، مشبعة بالدلالات ومحمّلة بالمعاني ، أولها وأهمها يتعلق بالقضاء اللبناني ، الذي أظهر أنه هو ، وليس القضاء الدولي ، مسيساً وتابعاً للسلطة التنفيذية ومراكز القوى إياها ، ولو بقيت هناك ذرة واحدة من المعايير والقيم المهنية والأخلاقية ، لرجع القضاة اللبنانيون إلى منازلهم ، قبل أن يعود الضباط الأربعة إلى عائلاتهم ، فقرار المحكمة الخاصة ، سيظل وصمة لا نريد أن "نلوّنها" في جبين القضاء اللبناني، ولكي لا يعتب علينا الأخوة اللبنانيون ، فإن ما يصح في قضائهم ، يصح في "القضاء العربي" عموما ،الذي تحول مع الأيام ، إلى ذراع للسلطة وملحق بها.

قرار قاضي الأمور التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، التي باشرت عملها قبل شهرين فقط ، يثير مناخات من الارتياح لجهة النزاهة والشفافية في أداء المحكمة ، ويصفّي حسابا مع مرحلة من التحقيق الدولي، تميّزت بالخفة والبهلوانية زمن القاضي ديتليف ميليس الذي آثر التصرف كمرشح نيابي على لائحة 14 آذار ، بدل أن يتصرف كقاضي تحقيق دولي.

من الزاوية الشخصية ، أعترف بأنني سعدت بقرار محكمة لاهاي بالأمس ، مثلما سعدت بقرار القبض على الضباط الأربعة في حينه ، يومها كنت من بين كثيرين رجحوا فرضية تواطؤ ما كان يسمى "النظام الأمني المشترك" في جريمة اغتيال الحريري ، ولعبت مناخات "الأرز والثورة البرتقالية" وصور مئات ألوف الشبان والشابات في شوارع بيروت وساحاتها ، دورا حاسما في الانحياز للانتفاضة اللبنانية في وجه نظام بوليسي لا يشك أحد في بوليستيه ووصايته الثقيلة على الحياة السياسية العامة في لبنان.

لكن التحقيقات الصعبة والطويلة التي لم تنته بعد ، بدأت تأخذ مع القاضي سيرج براميرتس طابعا مهنيا وموضوعيا ، أعاد الاعتبار لسيناريوهات عدة في تفسير الجريمة وتحديد المسؤولين عنها ، في وقت كانت فيه "ثورة الأرز" تجير يوما بعد آخر ، لأمراء الطوائف وزعران القتل الطائفي العشوائي (على الهوية) ، الذين نجحوا في امتطاء صهوة الحرية والاستقلال ودم الحريري ، لتجيير لبنان بمجمله لصالح مشاريع لا صلة للحرية والاستقلال بها ، مشاريع تقودها عواصم لم تعرف الحرية يوما ودول فقدت استقلالاتها وأدوارها وأوزانها التاريخية.

كانت صور الضباط الأربعة المرفوعة في تظاهرات 14 آذار والمذيّلة بشعارات الحقيقة والعدالة ، تثير في نفوس كثيرين في العالم العربي تداعيات وإسقاطات ملهمة ، ولطالما حَذَفَت (المخيّلة) صور هؤلاء الأربعة، ووضعت محلها صور نظرائهم في غير عاصمة عربية ، لكن المشهد سرعان ما ارتد إلى نقيضه ، حين انقلب السحر على الساحر ، وبدا أن الحقيقة ليست في صالح من يرفعونها إيقونة وشعارا ، وأن العدالة ستنصف خصوم الحاملين للوائها في كل مهرجان وتظاهرة وخطاب.

كان يمكن لثورة الأرز وانتفاضة الحرية والاستقلال أن لا تسقط في وحل المحاور العربية ، وأن لا تخلي موقعها في مواجهة المشروع الإسرائيلي للبنان لصالح خصومها ، لو أن القوى الجماهيرية الحية التي فجّرتها، تمكنت من إنتاج قياداتها بدل "إعادة تدوير" القيادات الطائفية والمذهبية والمليشياوية ، كان يمكن لربيع لبنان أن يكون إيذانا بربيع عربي لو أتقن الإصلاحيون اللبنانيون (تقرأ العرب أيضا) فن الجمع بين كونهم ديمقراطيين وليبراليين من جهة ، وبين كونهم مناهضين لمشاريع إسرائيل والارتهان للمحاور والعواصم إياها من جهة ثانية ، لكن الإخفاق المتكرر هذا ، هو ما أفضى وسيفضي إلى "دمغ" الأصلاحيين بالعمالة للغرب ووصمهم بسمات التخاذل أمام عدوانية إسرائيل ، وإلى أن تتغير هذه الصورة النمطية بالكامل، سيظل المشروع الإصلاحي العربي  مأزوما وأقلويا.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات