جماعة الاخوان : عندما يكون الانقسام غير مسموح

حديث الانقسام داخل جماعة الاخوان المسلمين قديم جديد، لكنه في معظم الوقت كان تعبيرا عن تمنيات اصحابه اكثر منه وقائع وخلال العقدين الاخيرين خرجت رموز وقيادات مهمة من صفوف الجماعة، بعضها بسبب خلافات تنظيمية وسياسية، لكن آخرين ارادوا بتشجيع من دوائر في الدولة، ان يكون خروجهم انقساما فعليا يشطر جسد الاخوان الى شطرين.
وهؤلاء يتحدثون اليوم بمرارة عن خذلانهم من قبل الدولة. فلقد اكتشفوا ان شق الجماعة لا يستهدف خلق تنظيم اسلامي قوي من رحمها، انما خطوة في مسلسل من الانشقاقات الصغيرة تقود الى تصفية او اضعاف الجماعة كقوة اجتماعية وسياسية وحزبية مؤثرة. والنتيجة، كما يقول هؤلاء، او يؤرخون، ادت الى تقوية الجماعة وزيادة شعبيتها، فيما ظل المنشقون عنها خارج التيار الاسلامي.
غير ان للزمن دوره، وللتراكمات أثرها وتأثيراتها على واقع كل حركة او حزب سياسي وما كان صالحا للثقة في ادبيات ومواقف الاخوان في العقد الماضي، قد لا يكون صالحا في العقد الاول من القرن الحالي.
وكمراقب، اشعر ان حديث الانقسام المتداول حاليا بين صفوف الجماعة على خلفيات العلاقة التنظيمية مع حركة حماس وما تفرزه من اسئلة مثل: من يمثل الاردنيين من اصل فلسطيني، او الفلسطينيين في الخليج ولبنان وسورية، الاخوان المسلمون الاردنيون ام حماس? والاجابة على هذه الاسئلة جدّية لان الهروب منها الى الامام لم يعد يفيد الجماعة، وتركه في عهدة التفاهمات والتوافقات الوقتية قد يؤجل الانقسام لكنه لا يتجنبه، ومن مصلحة وحدة الجماعة ان تعمد مبكراً للاحاطة بتداعياته وتطوراته والتعامل معه بواقعية وشجاعة بما يجنبها الانقسام او يجعله اقل ضررا وتأثيرا على مستقبلها في الاردن.
واذا كانت جميع المؤشرات والمعلومات تلخص ازمة الجماعة بانها ازمة هوية تتعلق بانتماءات الاخوان المسلمين في الاردن، وهل هي جماعة اردنية، ام جماعة اردنية- فلسطينية? وذلك بعد ظهور حركة حماس التي احتوت فرع جماعة الاخوان في فلسطين وسعت لاحتواء فروع الجماعة في الخليج والخارج، فان هذا في رأيي ابعد ما يكون عن ازمة تخص الجماعة او حزبها (العمل الاسلامي) فقط انما هي اكبر من ذلك، انها تجسيد لازمة هوية ضامرة في جسد الدولة الاردنية التي تظهر تفاعلاتها بين حين وآخر الى السطح، الا انها تُرَحّل الى الامام. والهروب من المواجهة حول هوية التنظيم لم يعد سمة جماعة الاخوان فقط انما سياسة الدولة ومواقفها الغائبة عن الحسم في مسألة الهوية.
الازدواجية، بل واحيانا التضادية واقع معاش في ثقافة الشعب الاردني واحزابه ووعيه السياسي والاجتماعي. ولو اخذنا الاخوان المسلمين مثالا لوجدنا ان الجماعة كانت دائما بجناحيها في (الاردن وفلسطين) تحت قيادة واحدة. لكن وبعد فك الارتباط بين الضفتين، الذي تلى ظهور حركة حماس في الانتفاضة الاولى، فان الجناحين كبرا وتعاظم حجمهما لكن في مجالين مختلفين وفي بيئتين متناقضتين (1) اخوان الضفة وغزة اصبحوا من خلال حماس قوة مقاومة رئيسية في قيادة حركة النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال (2) اما اخوان الاردن فقد اصبحوا بعد تحولات عام 1989 الديمقراطية الحزب الاكبر في البلاد بتأثيراته الاجتماعية والشعبية.
هذا الواقع كان يفرض وجود منافسة بين جناحي الجماعة في وقت مبكر حول المرجعية العليا لولا انغماس حماس في مقاومة الاحتلال، وانشغال اخوان الاردن في التجاذب والتنافر مع الدولة تحت شعارات الديمقراطية، لكن المنافسة ظلت مؤجلة الى ان تحولت الى سلسلة ازمات داخلية في صفوف الجماعة وقيادتها منذ ترحيل قادة حماس.
اليوم، بعد ان اصبح جناح الاخوان في فلسطين (حماس) حاكما وفي طليعة النظام السياسي الفلسطيني فان سؤال الهوية داخل الجماعة في عمان يصبح مشروعا ولا اقول شرعيا. ومن الخطورة بمكان ان يقود الخلاف على الهوية الى انقسام وشرخ كبيرين، فهذا غير مسموح به، لانه يضع جزءا من الجماعة خارج الدولة وقانون الاحزاب والهوية الاردنية. ومن (الحكمة) وهي متواجدة ومقيمة في صفوف قيادات الاخوان ان يكون هناك حوار صريح ومعمق بين طرفي المعادلة يأخذ بالاعتبار ان الحسم في الهوية التنظيمية لاي حزب او جماعة هو من سيادة الدولة بغض النظر عن مضمون العقيدة او الايديولوجية التي تُرفع كمرجعية لهذه الجماعة او ذلك الحزب.
العرب اليوم