البابا عندنا !

لم يعد من الضروري أن نفسر أكثر استقبال الأردن لقداسة بابا روما، أو زيارته الحبرية. فالسؤال الذي يجب أن نطرحه: لم لا؟؟. طالما أن دولة الفاتيكان لا تملك جيشاً، ونحن ''مكسر العصا'' لكل هوام الحروب في هذا العالم، ومقر العدوان والاحتلال لكل من يخيل له عقله المريض انه مرسل منه سبحانه لمحاربة الارهاب والديكتاتورية، وكل من ليس معه!!.
كنا اول بلد يخرج بابا روما ليزوره منذ سنين. فالفاتيكان لم يكن يعترف ويتبادل التمثيل الدبلوماسي مع الأردن وإسرائيل، لأنه لم يكن يريد تقسيم القدس او يدخل صراع الإرادات. وانتظر حتى توقيع اتفاقية السلام عام 1994!!. والبابا الآن معني بالسلام في الأرض المقدسة. ولذلك هو معني بالفلسطينيين.. فهم وحدهم ضحية الحروب والاحتلال والعدوان. وإذا كان الجواب على سؤال: كم يملك الفاتيكان من الدبابات؟!. هو جواب معروف، فإنّ علينا أن نعود إلى القوة الأخلاقية التي اطاحت بأوضاع شرقي أوروبا بداية من بولندا، وإلى انهيار منظومة الدول الاشتراكية.. ليعرف حجم القوة التي يملكها الفاتيكان.. بلا دبابات ومدافع وطائرات.
لقد بادر الملك الشهيد المؤسس عام 1948 بعد ثلاثة ايام من دخول الجيش العربي الى القدس لحماية اهلها من العدوان الصهيوني.. بادر الى بعث رسالة منه الى البابا بيوس الثاني عشر، يبلغه فيها ان جيشنا سيحافظ على الاماكن الدينية المسيحية في القدس، وهكذا كان.
وبادر الحسين العظيم الى تحويل رحلة الحج للبابا بولس السادس عام 1964 الى مناسبة تاريخية قدم فيها حفيد العترة النبوية شعبه الواحد في عمان كما في القدس الى العالم المسيحي، وذكر الجميع بالعهدة العمرية التي عقدها والبطريرك العربي صفرونيوس ''كبير النصارى'' فنحن المعنيون بتاريخ هذه الامة وبأزهى عصور هذا التاريخ.
وبادر عبدالله الثاني الى دعوة البابا يوحنا بولص الثاني ليطوب مكان عماد المسيح عيسى في المغطس على شرقي النهر، واماكن حج اخرى، فعلى ضفة الاردن الشرقية تتجذر حياة روحية غنية بكنائس روسية وكاثوليكية وارثوذكسية وكلدانية، كما تتجذر الحياة الروحية في مقامات الصحابة والشهداء من ابي عبيدة عامر بن الجراح إلى مثوى عشرات الصحابة الذين قضوا في طاعون عمواس في رهج الفتح إلى شهداء مؤتة. فهذا بلد يعطي ابناءه وجيرانه السلام والحب والاستقرار والازدهار من غنى الروح، وقيم الدين، وعظمة التاريخ الحقيقي للأمم والشعوب!!.
البابا عندنا استقبلناه أمس في حضور جلالة قائد الوطن.. وسيكون الأردنيون كلهم في استقباله خلال الأيام الثلاثة القادمة!!.. فيا مرحبا!.
الرأي