قمتان في ميزان الربح والخسارة

لقد وقع ما كنا نخشاه ، وجاء أول تصريح لنتنياهو بعد قمتي شرم الشيخ وعمان متخطيا القضية الفلسطينية و\\\"حل الدولتين\\\" ومستقبل عملية السلام ، إلى الحديث عن \\\"موقف إسرائيلي عربي مشترك\\\"، غير مسبوق منذ قيام إسرائيل، بل ومنذ نشؤ الحركة الصهيونية ، ضد إيران وتهديداتها وأطماعها وبرنامجها النووي ، ولم يشر رئيس حكومة اليمين واليمين المتطرف ، لا من قريب ولا من بعيد ، لا للمطلب العربي الرئيس: دولة فلسطينية قابلة للحياة ، ولا لمطالبهم الآنية والفورية: فتح المعابر ، رفع الحصار ، التهدئة ، إلغاء مشاريع التهويد الكبرى في القدس ووقف الأنشطة الاستيطانية.
وإذا جاز لنا أن نجري عملية حساب ، جمع وطرح ، لمكاسب وخسائر مختلف الأطراف ذات الصلة ، فسنجد أن ننتنياهو وحده ، نجح في \\\"جمع نقاط قوة إضافية\\\" في مواجهة باراك أوباما ، إذ بات بمقدوره الآن أن يقول \\\"أخرج منها يا ملعون\\\" ، نحن والعرب نحتفظ بقنوات اتصال وحوار سالكة وآمنة في الاتجاهين ، ونحن جميعا متفقون على تشخيص الخطر المشترك الذي تشكله إيران ، ونحن جميعا مصممون على مواجهته والتصدي له.
لقد كان القصد (في الأردن ومصر) من عقد قمتي عمان وشرم الشيخ، تدعيم جهود أوباما الرامية لإنعاش عملية سلام جادة وجدية تنتهي إلى تجسيد رؤية \\\"دولتين لشعبين\\\" ، في إطار مبادرة السلام العربية ومرجعيات عمليات السلام ، بيد أن اللقاءات التي نظمت على عجل ، انتهت إلى غير ما كان يؤمل منها ، مع أن الرجل كان \\\"توّاقا\\\" لزيارة العاصمتين ، وكان بالإمكان توظيف هذا \\\"التوق\\\" واستثماره بانتزاع بعض المكاسب المباشرة على أقل تقدير.
وعلى وقع تصريحات نتنياهو ، كان جيفري فيلتمان يدلي بشهادته أمام إحدى لجان الكونغرس ويقول فيها ، أن السنوات الأخيرة شهدت تحولا جذريا في المواقف الرسمية العربية ، فلم يعد القادة العرب أو بعضهم على الأقل ، يتحدثون عن الصراع العربي الإسرائيلي كصراع رئيس في المنطقة ، بل عن إيران وحلفائها كخطر مهدد للجميع.
سيذهب نتنياهو إلى واشنطن ، وسيقول كما قال فيلتمان: إيران هي العدو المشترك ، وسيطلب إلى أوباما التريث في اندفاعته نحو السلام، وتقديم معالجة الملف النووي الإيراني ، باعتبار ذلك قاسما مشتركا أعظم بين مصالح ومواقف أصدقاء أمريكا وحلفائها في المنطقة ، وسيطلب جدولا زمنيا محددا للحوار مع طهران ، يلتزم خلالها نتنياهو بالاستجابة لطلب أوباما والتجاوب مع مضمون الرسالة التي نقلها مدير السي آي إيه بعدم الإقدام على \\\"مفاجأة\\\" وتوجيه ضربة عسكرية لإيران من دون علم واشنطن.
وسندخل في جدل ومتاهة لا حدود لهما: تارة بين مسارات السلام العربية من مزارع شبعا إلى الضفة الغربية مرورا بالجولان ، وأخرى بعنوان أيها أولا: السياسة ، الاقتصاد أم الأمن ، ولن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، ولن يكون هناك جلاء عن الأراضي المحتلة عام 1967 ، وسنظل \\\"نلوك ونعلك\\\" أحاديثنا الممجوجة ذاتها، عن الفرص والأفكار والمبادرة والخطة والرؤية والخريطة إلى غير ما هنالك.
مؤسف أن العرب كلما اصطدموا بحكومة إسرائيلية أكثر يمنية وتطرفا وعدوانية ، ازداد جنوحهم للسلم والتسويات والصفقات ، وكلما تعرضوا لضربات عسكرية إسرائيلية أشد وحشية وبربرية ، زادوا قناعة بحدية \\\"الخطر الإيراني\\\" ، وكلما ازدادت مطالب إسرائيل تعجيزا وتعقيدا ، تزايدت ضغوطهم على الفلسطينيين للقبول بالممكن والرضى بما هو متاح ، فإي تهالك هذا ، وهل ثمة من \\\"قعر\\\" أو خط نهاية لحالة الانهيار العربية هذه؟