السيف.. حين يستأذن القلم !!

تم نشره الخميس 21st أيّار / مايو 2009 08:44 صباحاً
السيف.. حين يستأذن القلم !!
عبدالسلام الطراونة


بثّت احدى محطات التلفزة تقريراً طريفاً عن صناعة السيوف في احدى دول جنوب شرق آسيا ، وتحدثت باستفاضة عن هذه الصناعة مستعينة بعين الكاميرا اللمّاحة لإظهار مفاتن السيف من حيث اللمعان والقد الممشوق والقوام المطعّم بالذهب ناهيك عن الزخرفة الفائقة وصولا الى اسعار بيعه التي تفوق الاصفر الرنّان،،

ما علينا.. فالتقرير اياه لم يكن يستدعي التوقف كثيرا لولا قبضة كلمات انسلّت بتواضع في ذيل التقرير لتشكل خاتمة للموضوع ومفادها أن التصريح اللازم لصناعة السيوف في ذلك البلد منوط بوزارة الثقافة ، اي أن اشهار ولادة السيف مرهون بجرة قلم،،

واعترف بأن هذا الامر استوقفني ، في سياق رياضة عقلية لاستقرىء معالم حال وتصرف وزير ثقافة أسبق لا يتعدى قاموس معرفته في ميدان الثقافة عبارتين اثنتين هما: «لتمكيني من الرد» و«لافادتي بسرعة،».. هاتان العبارتان - واللتان تغصّ اوراقي بنسخها الكثيرة - ظلّتا محل تندّر الكثيرين في الوسط الثقافي.. أقول كيف سيتصرّف معاليه تجاه ولادة سيف وهو - أي الوزير - عاجز عن الرد بمفرده ويستغيث بمن حوله لإفادته عن شأن ثقافي بسيط، وأترك باقي مفاصل وتفاصيل المشهد لفطنة القارىء الكريم،

ولعلّ الانصاف يقتضي بأن انتقل الى الجانب المشرق فأقول لقد تعاقب وزراء أفذاذ على حقيبة الثقافة تحظى شخوصهم بالاحترام وجهودهم بالتقدير.. فمنهم الشاعر الفذّ.. والصحفي والنقابي اللامع.. والعلامة المشهور.. والاداري المبدع.. والمفكر المرموق.. وكذلك نشميات أبدعن في مجال الثقافة ومشاريعها. واستطيع القول بأنه لا يثلم او يشوب بياضَ جهودهم الخيرة سوادُ جهل أحدهم بالثقافة وقلة حيلته الممزوجة بفيروس الغرور،،

وعود الى الموضوع ، ففي سياق المعادلة التي تنتظم العلاقة بين السيف والقلم في بلاد برّا - تكاملية كانت هذه العلاقة أم تفاضلية - فإن بيكار مخيلة المرء يسرح بعيداً في أجواء الصلة بين الصارم المصقول ورصاص القلم ، وما تضمنته من تفاصيل دونتها ادبياتنا العربية في سالف من أيام العزّ ، حين أرّخ الشاعر العربي للعلاقة الازلية بين الحسام والقلم بقصيدة طويلة انتقى من بُنيتها العامة ركنين اثنين فيهما من الدلالة والحسم ما يكفي ويزيد.. يقول البيتان:

وأنا إذ انقل ذلك ، فإني استدرك بأني لا انتقص من دور القلم ورسالته .. فالقلم والسيف كلاهما سلاح حق عندما تتعهدهما يد طاهرة ويمنى نظيفة .. واستدرك ثانية بأني لا اتحدث عن السيف كأداة بل كمجاز ودور ورسالة طرفاها الردع والتسامح.. نعم أتحدث عن دوره وبريقه الذي يشبه وميض وغلاوة البرق في سنيّ القحط حيث يؤّشر لهطول المطر وقدوم الخير.. فهل شاهدتم مطراً ينهمر من السماء دون أن يسبقه وميض برق؟، وكذلك السيف والخير،

واستدرك مرة ثالثة وأقول إن السيف والقلم على أهميتهما مدينان بالكامل لفارس معلوم الفعل مجهول الذكر هو الزًنْد.. نعم الزند.. فهو الذي يحسب ويحسم للسيف دوره.. وهو الذي يخطط ويخط للقلم دربه، فيما يحصد السيف والقلم الشهرة والسمعة.. وهذا حال الدنيا..، واحد يزرع في الخفاء.. وآخر يحصد في العلن،

حاصله.. لو كان لي من كلمة تُسمع لدى صانع التقرير التلفزيوني حول صناعة السيوف لأشرت عليه بأن يعيد انتاجه لما فيه تصحيح المعادلة برمتها من حيث أن أهمية السيف تنبع من زند حامله والرسالة السامية التي يحملها لا من الطلاء والذهب وخلافه،،

فالسيف في زند الحق رسالة مؤطرة بالمجد.. وتسامح لا يخلو من الردع.. وفي يُمنى الاطهار ميثاق سماحة.. ورفيق درب ينصف المظلوم ويردع الظالم ويحمي الحق والارض.. أما في يد الباطل والجهل فإنه يغدو أداة عدوان وتدمير واستفزاز،

نعم .. السيف يكبر فعله.. ويتشرف دوره ويعظم قدره بملازمة الاطهار والاولياء والصالحين ... رضوان الله عليهم.

السيف ، وأقصد الحق المبين ، صار باذن الله وحوله في يُمنى جعفر الطيار مجداً عرضه مؤتة وامتداده جناحين في الجنة ، لابن أبي طالب.. وفي زند عبدالله بن رواحه ميثاق سماحة لحمته الاسلام الحنيف وسُداه الرحمة والعدل.. وفي يد زيد بن حارثه مجداً مؤثلاً لا تخطىء دلالته البصيرة المنصفة والبصر الثاقب.. وفي يمين خالد بن الوليد.. أضحى سيفاً للردع والعدل في عهدة سيف الله المسلول،

ألم يكن السيف في يُمنى أبي الثوار الحسين بن علي رصاصةً قومية بكرْ.. بحجم امة العرب .. لا بل برق وبشير غيث قادماً من ثريا النخوة ليروي ثرى الجزيرة العربية المكروب والذي أينع بفضل الله عزّ وجل ثم همة الهاشميين وأحرار العرب ثورة عربية.. واستقلالاً قومياً.. ومجداً عربياً عريضاً،

ومَنْ مثلُ السيف الذي حظي بالشرف الرفيع في ظل التاج الهاشمي الغالي فغدا مع سنبلة الغلال شعارَ الحق لوطن بحجم المجد واكبر.. وعنوانَ عزّةْ لجيش عربي مقدام اختلط مسك دمه وعندم شهدائه الابرار بثرى القدس الطهور ذوداً عن الحق والمقدسات.

ألم يكن السيف في يمنى ابن الرافدين البطل صلاح الدين الايوبي سلاح ردع أعاد للمحتلين عقلهم وصوابهم.. وميزان عدل اعاد للقدس الغالية حريتها وانعتاقها من المحتلين،

ألمْ يتحول السيف في زند الفدائي العربي جون جمال وطوربيده الرائع إلى عزم قومي وعزيمة عربية بعد ان مخر عباب البحر والفداء والموت وخطّ بالشجاعة وطاهر الدم وعاطر المسك سطراً غالياً في سفر الوحدة العربية المنشودة؟

نعم.. السيف وأعني قوة الحق في يد الاطهار والطيبين يغدو رسالة سامية.. أما حق القوة في يد المتغطرسين من مسطرة بوش وتشيني ورامسفيلد وبقية الشلة من عشاق العنف ، فهو اداة غطرسة واعتداء على أوطان وحضارات وكرامات الآخرين.. وفي يد الاشرار من طراز بلطجي الملاهي الليلية الصهيوني ليبرمان فإن السيف عدوان وعنصرية واحتلال استيطاني مصيره الزوال مهما طال الزمن،

فالسيف ، الرمز.. والدور.. والفعل في زند الحق والطهر رسالة حق مبين بطول باع المجد وأكثر.. أما في يد الظلم والعدوان فإنه أقصر باعاً من سكين المطبخ مهما طالت شفرته وطال أمد بغيه وتجبر حامله وعدوانه.

الدستور



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات