ديمقراطيات مكيفة!!

الديمقراطية ليست حذاء نعود الى البائع كي نستبدله باوسع منه اذا كان ضيقا ، او العكس ، كما انها ليست حفلات تنكرية موسمية تنتهي ككلام الليل اذا طلعت الشمس ، وليس غريبا ان بقيت كلمة ديمقراطية لا تقبل الترجمة من الاغريقية الى اللغات الاخرى ومنها لغتنا بعد اكثر من خمسة وعشرين قرنا.
انها ليست بلا اعراض جانبية قد تسبب الصداع او الدوار ، وثمة من وصفوها بانها ذات انياب ، تقابل من تصوروا انها درداء وبلا اسنان ، وتحتاج الى من يضع لها الطعام نيابة عنها.
ولا يعادل مصطلح الديمقراطية في تعرضه للتلاعب واعادات الانتاج في الواقع السياسي العربي الا مصطلح الحرية ، ومثله ايضا الاشتراكية ، فالحرية ارتكبت جرائم لا تحصى باسمها ، اما الاشراكية فلها حكاية طريفة تستحق ان تروى ، وهي نكتة شعبية سوداء شاعت في ستينيات القرن الماضي ، عندما سئل اقطاعي عن رأيه في الاشتراكية فامتدحها خشية من الثورة الجديدة التي سعت الى التأميم ، وقبل ان يتنازل عن سيارة اذا كان يملك اثنتين وعن حصان ان كان يملك اثنين ، لكنه عاد ليصرخ غاضبا في وجه من سأله لانه احس بان هذه المتوالية الحسابية ستحرمه من احدى زوجتيه،
وقد يأتي وقت نتداول فيه كعرب نكات سياسية لا تحصى حول الديمقراطية ومستحضراتها ومعجناتها اللفظية، ما دام الامر يتعلق اولا واخيرا بما نجنيه من فائدة او ما يترتب عليها من خسائر.
ان شغف المعارضات السياسية بالديمقراطية يصل الى مرتبة الوله وهي اعلى مراحل العشق ، لكن ما ان تصل المعارضات الى السلطة حتى تستدير مئة وثمانين درجة لخطابها وتصفه بالرومانسية وقد تعتذر عنه ، لان العلاقة بالديمقراطية هي حب عذري ، يتطلب اقامة العوائق والعقبات للحيلولة دون الوصال او الزواج. فالشاعر العذري كان يعرف ان غزله العلني بمن يحب يحرمه من الزواج حسب تقاليد القبائل واعرافها ، لكنه كان يتعمد التشهير كي يضمن بقاء الحرمان ، فالحرمان مطلب بالنسبة اليه وهو كما يقال «عدة الشغل» التي بدونها يصل الى البطالة،
ولا نعرف في التاريخ تجارب ديمقراطية حولت هذا المنجز المدني والانساني الى قمصان او احذية ذات قياسات معينة ، منها الصغير والمتوسط والواسع كما ان الديمقراطية لا يليق بها حرق المراحل او وهم اختصار الجهد والوقت ، لانها يجب ان تمر بنصابها الكامل بدءا من الاضرابات حتى الصناديق،
ولا ادري لماذا يقرن العرب الديمقراطية بالعرس ، رغم ان هناك حفلات زفاف صاخبة بلا عرسان ، ولعله الهاجس الجنسوي ذاته الذي جعلهم يسمون احتلال فلسطين والاستيلاء عليها برا وبحرا وجوا تاريخا وحضارة وهوية ، مجرد اغتصاب،
ان هناك ظواهر في التاريخ لا تتيح للهواة التلاعب بها ، وتصغيرها او تكبيرها حسب طلب الزبون ، وحين تتحول مثل هذه القضايا الاشكالية الكبرى الى كرات من جوارب وخرق لا بد للستار ان يسدل على المشهد كله!
الدستور