الانتخابات اللبنانية .. بالقراءة الأولى

المدينة نيوز-
ما الذي يمكن قراءته في نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية ، خارج الأرقام النهائية التي ظهّرت فوز تحالف 14 آذار على ائتلاف المعارضة ، وبفارق 14 مقعدا 10و بالمائة من أصوات المقترعين؟.
أولا: بلوغ الانقسام المذهبي (سنة - شيعة) حدا مذهلا وغير مسبوق: في المقلب الشيعي: أخفق تحالف 14 آذار أخفق في الحصول على أية كتلة تصويتية ذات مغزى في أوساط الشيعة الذين صوّتوا وبنسبه 85 - 09 بالمائة لصالح الثنائي حركة أمل وحزب الله ، وهذا وضع ليس له مثيل في مختلف الطوائف والمذاهب الأخرى ، ويهذا المعنى لم ترتسم معالم القلق على حزب الله بعد الإعلان عن النتائج ـ المفاجأة ، فهو اعتبر أن نجاحه في رفع نسبة إقبال الشيعة على الانتخاب ، في دوائر لا معارك فيها ولا حوافز تدفع لمغادرة المنزل والذهاب إلى "أقلام الاقتراع" نجاحا كبيرا له ، أو على الأقل ، ضمانة كبيرة لخطه وسلاحه ، لكن الأمر الذي لا يجب أن يفوّته حزب الله ، هو أن انتخابات 7 حزيران نزعت رسميا وعبر صناديق الاقتراع ، غطاء الإجماع الوطني عن المقاومة اللبنانية ، وأعادتها إلى المربع المذهبي المحاط بدعم شرائح من الطوائف والمذاهب الأخرى.
في المقلب السني: كرست الانتخابات ظاهرة "الحريرية" كزعامة للطائفة السنية في لبنان ، لا لأن سعد الحريري نجح في زيادة عدد أعضاء كتله النيابية إلى 38 مقعدا (مقعدين إضافيين) فحسب ، بل لأن الصوت السني المعبأ مذهبيا لصالح تيار المستقبل ، حسم المعركة في أكثر من دائرة مسيحية (نكاية بالشيعة وثأرا للسابع من أيار )2008 ، أهمها زحلة التي أحدثت الفارق وأعادت للأغلبية البرلمانية أغلبيتها ، وكان لافتا هذه الإقبال السني الكثيف على الانتخابات حتى في الدوائر التي لا مقاعد مخصصة للسنة فيها ، حيث صبت أصواتهم لصالح مسيحيي 14 آذار ، وهذا حصل نسبيا عند الشيعة كذلك في بعض الدوائر المختلطة.
زعامة الحريري الراجحة على المستوى الوطني ، لا تلغي وجود منافسين أقوياء لها على المستوى المحلي ، فطرابلس وزعت مقاعدها على مرجعيات سنية عديدة (ميقاتي والصفدي) فضلا عن تيار المستقبل ، وعمر كرامي (المعارضة) حصد حصل على 26 بالمئة من اصوات السنة في طرابلس ، وأسامة سعد حصل على 27 بالمئة من اصوات السنة في صيدا ، وعبد الرحيم مراد حصل على 29 بالمئة من اصوات السنة في البقاع الغربي ، وجهاد الصمد حصل على 21 بالمئة من اصوات السنة في المنية - الضنية.
ثانيا: انقسام الصوت المسيحي مناصفة: خسر التيار العوني تمثيله شبه المنفرد للصوت المسيحي عموما والذي تحصّل عليه إثر "تسونامي انتخابات "2005 ، بيد أنه ما زال الصوت المسيحي الأقوى والأهم ، يقف على رأس ثاني أكبر كتلة في البرلمان بعد كتلة الحريري ، وتتكون من 21 مقعدا ، أي بزيادة ستة مقاعد عن البرلمان السابق ، وبلغة الأصوت فإن الجنرال عون الذي كان يدعي تمثيل 70 بالمائة من المسيحيين ، لا يستطيع اليوم إدعاء تمثيل أكثر من نصف المسيحيين ، فيما النصف الثاني موزع على الكتل المختلفة ، ولم يحصل الحزبان المسيحييان الرئيسان المنافسان على الزعامة المسيحية سوى على 10 مقاعد مجتمعين: خمسة لكل منهما ، القوات اللبنانية حافظت على مقاعدها الخمس ، والكتائب رفع عدد مقاعده من مقعدين إلى خمسة مقاعد ، حصل ذلك برغم اصطفاف رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني وعشرات الكيانات والشخصيات المسيحية في جبهة واحدة مدعومة بالمطلق من قبل تيار المستقبل والمال السياسي.
ثالثا: سيبقى وليد جنبلاط ، وحتى إشعار آخر ، زعامة مكرّسة للدورز بصرف النظر عن تقلباته وتبدلات تحالفاته. نتائج الانتخابات سجّلت تراجع وزن كتلته البرلمانية من 15 مقعدا إلى 11 مقعدا فقط ، بسبب خسارة بعد الدوائر وتغوّل حلفائه عليه في أثناء إعداد اللوائح الانتخابية ، خصوصا مرشحي الحزبين المسيحيين المنافسين للجنرال عون ، حيث تمت التضحية بحلفاء جنبلاط من المسيحيين لضمان هزيمة التيار العوني وتقليص حجمه التمثيلي ، وقد حصل خصومه ومنافسوه من الدروز على ما يقرب من 30 بالمائة من الصوت الدرزي.
رابعا: ما بعد الانتخابات: انتهى ضجيج الانتخابات وصمتت الماكينات الانتخابية للكتل المصطرعة ، والأرجح أن كافة الأطراف قد دخلت في مرحلة من المراجعة العميقة لما جرى وما سيأتي ، وسط ترجيحات بأن تحالفات ما قبل السابع من حزيران لن تظل على حالها ، وأن الأرقام التي توزع عليها الفائزون والخاسرون ستشهد تغيرات وتبدلات ، وأن ثنائية 14 - 8 آذار مرشحة للفك وإعادة التركيب ، مع أن من السابق لأوانه التكهن بالوجهة التي ستسلكها الأحداث والتحالفات ، خصوصا مع تغير اتجاهات هبوب الريح الإقليمية والدولية ، إذ في الوقت الذي تهب فيه عن واشنطن رياح تتسم بـ"الاعتدال والجنوح للتهدئة" تغذيها محاولات حثيثة لإطلاق عملية سياسية شاملة في المنطقة ، فإن بعض العواصم العربية والإقليمية ما زالت على "هيجانها" ، حيث لوحظ أن ردة فعل الرئيس أوباما على نتائج الانتخابات اللبنانية جاءت أكثر اتزانا وتوزانا من ردات فعل بعض العواصم.