"المؤسسات البديلة"..ابن شرعي لضعف الحكومات والنواب

توالت الاحتجاجات والانسحابات من المجلس الاقتصادي الاجتماعي ، الذي شكلته الحكومة قبل ايام ، وايا كانت الدوافع لتشكيل المجلس ، او الانسحاب منه ، احتجاجا ، لاي سبب كان ، فان السؤال يبقى معلقا حول جدوى المجالس الاستشارية والفرعية والثانوية والمساندة ، في موازاة الحكومات ، او الى جانبها.
منذ ان بدأنا بتشكيل اللجان واللجان الفرعية ، والهيئات الاستشارية ، والمجالس الاقتصادية او الاجتماعية ، بدأت كثير من القضايا العامة ، تضعف ، ويتم توزيع مسؤوليتها ، ومسؤولية الافتاء فيها ، الى اطراف عديدة ، على حساب دور الحكومة الاساس ، وعلى حساب الوزراء الذين لا يديرون وزارتهم بشكل جيد ، وعلى حساب عملية التشريع ، المنتظرة من النواب ، حتى باتت نمطية الاستعانة بمجالس تنفيذية واستشارية ومساندة ، تحت عناوين مختلفة هي الموضة الدارجة ، وكأننا نعترف ان الهيئات الاساسية من حكومة ومجلس نواب ، هيئات غير قادرة على التخطيط والتنفيذ والتفكير بالمستقبل.
اي انجاز نراه اليوم في الاردن ، تأسس في زمن كانت فيه الهيئات الاساسية ، تعمل بكامل طاقتها ، وتعرف ادوارها وما هو مطلوب منها ، من دور الحكومة والمجالس النيابية ، وغيره من هيئات منصوص عليها دستوريا ، ومنذ ان بدأت موضة توليد الهيئات والمجالس واللجان الرئيسة والفرعية ، بدأنا نفقد كل شيء ، فلا الحكومات تعمل كما يجب ، ولا النواب في وارد الانتباه الى مهاتهم ، برغم ان مجلس النواب ، ولجانه المختصة ، قادرة على الافتاء ، على ما هو مفترض بشأن كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية ، في حين ان خزان الخبراء الرسميين ، يفيض على دول الجوار ، وليس هناك اي داع لتأسيس مجالس جديدة ، فوق عشرات الهيئات والمجالس التي تأسست خلال سنين ، هذا بالاضافة الى ان هذه اللجان والمجالس والهيئات ، تفتح بابا جديدا للاستقطابات ، والعداوات ، حول من تم تعيينه ، وحول من لم يتم تعيينه ، ولماذا هذا ، ولماذا ليس ذاك؟.
لا حل وسط هذه المشاكل الا بالعودة الى حكومات قوية ، ومجالس نيابية قوية ، بدلا من اضعاف هذه الهيئات الاساسية ، واستيلاد مجالس وهيئات بديلة ، تثير الخلافات ، ودورها لا يتجاوز حدود بيوت الخبرة ، لكنها تتحول الى واجهات جديدة ، لتعميد من هو مقرب من الدولة ، ومن هو غير مقرب ، وتفتح الباب لعشرات الاسئلة حول الادوار واسس الاختيار ، فيتم سحب الخناجر والسكاكين لطعن كل هيئة لا يتواجد فيها اسم فلان ، وقد كان الاولى ان لا نفتح الباب لهكذا انماط ، تؤسس لتوزيع اداور الحكومات والبرلمانات ومؤسسات المجتمع المدني على هيئات ومجالس ، لا يمكن محاسبتها اساسا ، لو تسببت بتوريط الجميع في اي سياسة ، او قرار ، لان المحاسبة تنحصر بالحكومات ، وبصناديق الاقتراع ، التي يحاسب عندها النائب.
كل عمليات التوليد الطبيعية والقصرية لهيئات ومجالس استشارية ، رئيسة او فرعية ، مساندة ، او للافتاء في اي شأن سياسي او اقتصادي او اجتماعي ، حالي او مستقبلي ، هي عمليات توليد تتم على حساب الحكومات والمجالس النيابية ، التي تم اضعاف كليهما ، الى الدرجة الى بات فيها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، وبحاجة الى مساعدة من هيئات مستقلة او شبة مستقلة ، ولا حل الا بعودة القوة الى المؤسسات المنصوص عليها دستوريا ، وتقويتها ، واعادة الادوار المختطفة اليها ، لتتحمل مسؤولتيها ، بدلا من عشرات الهيئات والمجالس واللجان ، التي لم نعد نعرف اين هي وماذا تفعل ومتى تجتمع ، وما هي حدود مسؤوليتها.
العودة الى نمطية المؤسسات القوية ، هي دليل الصحة الوحيد ، بدلا من الهروب ، الى مؤسسات بديلة ، كبيرة ام صغيرة.
M.TAIR@ADDUSTOUR.COM.JO