الطريق إلى «المنظمة والحركة البديلتين» .. مسدود مسدود مسدود

عبثا تجهد وسائل الإعلام على اختلافها في إثارة جدل فلسطيني واسع النطاق على خلفية "وثيقة القدومي" وردات فعل فتح والسلطة عليها ، فالقيادات والفصائل في غالبيتها العظمى تؤثر الصمت و"الغياب عن شاشات الرادار" في هذه المرحلة ، تارة بحجة أن ما يجري شأن فتحاوي خالص ، وأخرى بذريعة التريث لمعرفة ما الذي سينتهي إليه مؤتمر فتح السادس المقرر بعد أسبوعين في بيت لحم المحتلة.
والحقيقة أن كثيرا من المراقبين الذي توقعوا أن تُحدث اتهامات القدومي انشقاقا عاموديا وأفقيا على الساحة الفلسطينية ، فوجئوا بخلاف ما كانوا يظنون ويتوقعون ، فالساحة الفلسطينية التي كانت تنقسم على نفسها ، وتطلق جبهات رفض وصمود وإنقاذ لأسباب أقل بكثير من تلك التي جاءت بها "وثيقة أبو اللطف" ، بدت ساكنة تماما ، تزاول عملها اليومي كالمعتاد ، على أمل أن يفعل الزمن فعله ، ويطوي المسألة برمتها في غياهب النسيان.
وأحسب أن أي محاولة سيقوم "تيار القدومي وأنصاره" في المستقبل القريب ، لتكوين "فتح - 2" ، سواء حملت اسم "فتح - الانتفاضة" أو "فتح - الحركة التصحيحية" أو أي مسمى آخر ، ستصطدم بجدران صلبة ، ستجعل منها محاولة فاشلة لا محاولة ، وكذا الحال إن قرر الفريق ذاته ، مدعوما ببعض فصائل وشخصيات فلسطينية معارضة ، العمل على عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني أو إنشاء منظمة تحرير بديلة أو موازية ، فمصير محاولة كهذه لن يكون مختلفا عن مصير محاولة كتلك ، فالزمن غير الزمن والظروف غير الظروف.
لقد ولى زمن الحرب الباردة بين المعسكرين على الساحة الدولية ، واندثرت امتداداته ورموزه من محاور وجبهات على الساحة العربية ، ولم يعد أي انشقاق فلسطيني قادرا على إيجاد حاضنة له ، عربية كانت أم إقليمية ، و"تمرد القدومي" على قيادة أبو مازن إن تطور ، سيكون قد جاء في توقيت غير ملائم ، توقيت يجنح فيه ما يسمى "معسكر المقاومة والممانعة" للتصالح والتهدئة مع "محور الاعتدال" بزعامة واشنطن ، ذودا عن مصالحه وتعظيما لها أو إنقاذا لما يمكن إنقاذه منها.
إيران زعيمة هذا المعسكر غارقة في بحر أزماتها الداخلية المتلاحقة ، وهي مرشحة للانكفاء داخليا بدل التوسع والتمدد إقليميا ، ثم أن حوارها الاستراتيجي المننظر مع واشنطن ، يملي عليها سياسة أكثر اعتدالا وجنوحا للسلم والتهدئة ، عبرت عنها طهران في اجتماعات عدم الانحياز في شرم الشيخ بإشادة منوشهر متكي بالدور المصري ، فضلا عن الدعم الكامل لسعد الحريري في مسعاه لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات في لبنان.
سوريا ، الركن الثاني في المعسكر إياه ، معنية بتمهيد الطريق بين دمشق وواشنطن ، بانتظار أن يسلكها الرئيس أوباما ذات يوم قريب ، وهي معنية أيضا بالبرهنة على أنها عنصر استقرار إقليمي وجزء من الحل وليس سببا في المشكلة ، وهي إذ تستقبل قادة فصائل المقاومة والمعارضة الفلسطينية ، فإنها تفتح ذراعيها لمحمود عباس ، وتعطي اهتماما لتقاربها مع الرياض والقاهرة ، وتسعى في لعب دور إيجابي في لبنان يؤهلها لاستعادة علاقاتها مع الغرب ، ناهيك عن جهدها الموصول لاستعادة الجولان عبر مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل.
حزب الله ، الركن الثالث في المعسكر "الممانع والمقاوم" ، يبدي جنوحا واضحا لتسهيل مهمة الحريري واستعادة التحالف معه ومع وليد جنبلاط ، وهو يحضر نفسه لمرحلة خلط أوراق في لبنان ، لن يتمكن خلالها من لعب دور رأس الحربة لأي جبهة أو فصيل فلسطيني يريد أن يقارع السلطة والمنظمة على التمثيل والشرعية ، وحزب الله الذي يخطب ود الحريري في لبنان لن يكون في جبهة لمقاومة عباس في فلسطين.
حتى حماس ، الركن الرابع في معسكر المقاومة ، والتي من دونها لن تكون هناك فرصة أبدا لخلق قطب مواز ومعادل للسلطة وفتح ، لن تكون مستعدة للذهاب إلى نهاية الشوط مع "القدومي ومن يمثل" ، ذلك أن الحركة تبدو منهمكة هذه الأيام في حواراتها المفتوحة مع مسؤولين أوروبيين حاليين وأمريكيين سابقين ، والأرجح أن مقتضيات هذا الحوار والتكيف ومرحلة ما بعد خطاب مشعل في دمشق ، لن تجعل حماس شديدة الحماس لأفكار أبو اللطف ومبادراته ، وإن كانت ستسعى في توظيفها في السجال الفلسطيني الداخلي.
أما الفصائل الأخرى ، خصوصا اليسار ، فهي مرتبطة بالسلطة بسلاسل ثقيلة لا إفلات منها في المدى المنظور على الأقل ، لا على المستوى الفردي ، فجميع كوادر الفصائل موظفو سلطة عاملون ومتقاعدون ، ولا على المستوى الجماعي ، حيث جميع الفصائل تتقاضى موازناتها الشهرية من سلام فيّاض ومحمود عباس ، ولقد كانت الأعوام الأخيرة شاهدا على بؤس أداء هذه الفصائل وضعف استقلاليتها وتآكل دورها.
لذلك قلنا منذ اللحظة الأولى لانفجار "قنبلة القدومي" ، بأنها ستثير يأسا وإحباطا وربما كفرا بصدقية طرفي الصراع الفتحاوي (الفلسطيني) ، وستفاقم الحالة الانسحابية عند كثير من المناضلين الفلسطينيين ، بيد أنها لن تفضي إلى حدوث انشقاقات وانقسامات ذات مغزى ، فالجسم الوطني الفلسطيني ميت أو يكاد ، وما لجرح بميت إيلام.
لذلك ننصح ، إن كان جاز لنا أن نتفوه بلفظ كهذا ، القدومي ورفاقه في فتح ، بعدم الذهاب بعيدا في بناء وترويج أوهام المنظمة البديلة والحركة البديلة ، فالمعطى المحلي والإقليمي والدولي أبعد ما يكون عن الاستجابة والتناغم مع محاولات كهذه ، بل هو عامل إحباط وإضعاف لها من دون شك ، وعلى النضال داخل صفوف الحركة والمنظمة أن يستمر ، لتطهير الداخل من "الحمولة الفائضة" التي باتت تتحول إلى عبء على كفاح شعب فلسطيني ومستقبل قضيته الوطنية وحقوقه المشروعة.