حين تغيب القيم

قد تقرأ مقالا فضائحيا سطره قلم مهووس وجاهل آذى فيه نفسه وبلده وشرف مهنة انتسب اليها، وقد تقرأ قصيدة شفيفة تحملك الى عوالم من نور ، وربما تكون ذات المطبعة قد طبعت الصحيفتين واسالت فيهما ذات الاحبار وعلى نفس الرول من الورق، لكن شتان بين الاثنتين، اذن هي ذات التقنية لكن ثمة ما هو مختلف، والاختلاف هنا يتصل بالانسان وليس بالآلة .
ربما كان ذات النوع من الاجهزة المحمولة : واحد يستخدمه ارهابي ليبث فيه عبر الشبكة العنكبوتية رسائل لمجرمين او ليحرض على قتل الابرياء، وآخر يستخدم نفس الجهاز لجمع بيانات طبية قد تنقذ مريضا من براثن الموت، فالتقنية المستخدمة واحدة لكن الانسان مختلف.
المدرجات هي ذاتها سواء حين تجمع فيها اناس تحركت مشاعرهم النبيلة تضامنا مع اشقاء لهم كانوا ضحايا لجرائم الاحتلال في غزة وهتفوا تعيش فلسطين ، او حين اعتلاها غاضب محبط فاشعل النار في ثيابه ولطخ بمفرداته الرعناء هواء عمان.
ومثل هؤلاء الغاضبين في المدرجات ثمة في الاعلام وفي الادارات وفي القطاعات المختلفة من يشبههم فالاعلامي الذي لا يعرف ان الكلمة رصاصة اولى له ان يعود الى كشك على قارعة طريق، والموظف العام الذي لا يعلم انه مؤتمن على حقوق الناس فالاولى ان يعتزل.
مشكلتنا سواء في المدرجات او في بعض الصحافة او في بعض الادارات واحدة تتصل بالانسان وبمنظومته القيمية وباخلاقه، لكن هل المشكلة محض اخلاقية؟ بالطبع لا، اذ ثمة غياب مريع للقيم الديمقراطية التي تحدد الفواصل والتداخل بين الحرية الفردية والحريات العامة وبين الشأن الشخصي والشأن العام، وفي ظني انه كلما تعمقت القيم الديمقراطية اختفت مثل هذه الظواهر، فلو ان اصحاب الاجندات الفضائحية ضمن نمط مستحدث من الصحافة احسوا ان الرصاص الذي يطلق من فوهات صحفهم او مواقعهم الالكترونية له ثمن لما استمرأوا الايذاء والابتزاز وافساد الذوق العام ، ولو ان الموظف العام احس بانه موجود لخدمة الناس كل الناس ولقاء خدمتهم يتقاضى راتبا لما وصلت اداراتنا الى هذا الترهل.
حين تعم الفوضى في عرس ويقطع التيار الكهربائي قد نجد عابر السبيل يجلس الى جانب العروس وقد تجد صاحب كشك طامحا لافتتاح صحيفة او موقع اخباري، لكنها الفوضى الناشئة عن غياب ابسط المعايير .
Sami.z@alrai.com