حين يفقد الخط الأحمر لونه !!

خلال الاسبوع الماضي كانت قضية مباراة الوحدات والفيصلي احدى القضايا المهمة سياسيا وكرويا وحتى لدى العديد من الاوساط الشعبية، وصدرت إدانات وبيانات وحدثت اجتماعات، حتى السادة النواب خرجوا عن جدول اعمال جلساتهم وتحدثوا حول القضية.
لكن اذا اردنا ان نتحدث عن حلول او على الاقل عن دراسة حقيقة فإننا يجب ان نصل الى تشخيص صريح، لا ان نهرب من القضايا الى العبارات العامة، وان لا نمارس حديثا نخبويا جميلا ومجاملا بينما اصول القضية وجوهرها كما هو، ومن يمارسون الهتاف او يكتبون الهتافات لا تصلهم ولا يتأثرون بكل ما يقال من كلام جميل وإدانات بعضها مجامل ومعظمها صادق وحريص.
ربما ما ادعو إليه كل جهة معنية ليس الحديث عن مكانة الوحدة الوطنية فقط، بل دراسة بعض الهتافات التي تشهدها ملاعبنا ليس في تلك المباراة فقط بل خلال سنوات مضت، ولنعترف ان الهتافات السياسية في ملاعب الكرة واحدة من القضايا التي غابت عنها المعالجة الحقيقية، وكنا نمر عليها عبر اجراءات ادارية، لكن اذا كنا نريد حقيقة ان نحافظ على الوحدة الوطنية لا ان نهدد عن بعد وعبر بيانات لا يقرؤها من يخصهم الامر، فإن علينا منذ سنوات ان نتوقف عند الشعارات السياسية التي وصل بعضها الى درجة عالية من الخطورة، ومن لم تصله من المسؤولين فيفترض ان لدى الاجهزة الامنية المختلفة تسجيلات لكل تلك الشعارات بما فيها ما قيل في المباراة الاخيرة.
بكل وضوح فإن بعض الشعارات وصلت الى حد الحديث عن هوية الدولة وبنية الحكم وعن مقدسات وطنية وحتى عن مقدسات دينية تحولت الى رموز للجغرافيا والاقليمية، ومن عمل في العمل السياسي وشارك في تنظيم مظاهرة سياسية حقيقية فإنه يعلم ان احدى اهم اللجان في تنظيم أي مظاهرة او مهرجان جماهيري هي لجنة الهتافات ويكون أفراها من اهل الفكر والمشبعين في العمل السياسي، ولهذا نقول ان الشعارات السياسية الخطيرة التي وصلت الى الحديث عن مستقبل الدولة وهويتها وعن بنية الحكم وكل الامور الاخرى لا تأتي من عقل شاب جاء ليشجع الوحدات او الفيصلي او مشجع ترك بقالته او كراج السيارات الذي يعمل به او مكتبه ليحضر مباراة.
جزء من تراكم المشكلات ان لا نعطيها حجمها، وما جرى خلال الاعوام الماضية من غياب الحلول هو الذي اوصلنا اليوم الى هتافات تستهدف مقدسات للأمة او هتافات تتحدث عن بنية الحكم وهوية الدولة وتدخل مرجعيات وطنية في سياق حروب المشجعين.
وبكل صراحة ومسؤولية اقول ان الوحدة الوطنية لم تعد خطا احمر، واننا نشهد انتهاكا خطيرا لها، وان تعاملنا تعاملا مجاملا وليس عبر حلول تصل بنا الى الحفاظ على المصالح العليا للدولة، ولنعترف ان المجاملة وتعدد اللغات هو احدى ادوات ادارة هذا الملف الاهم، ولنعلن ان هذا المرض الذي تتعدد ادواته واشكاله اصبح مصدر خطر على الدولة الاردنية، واصبح من السهل على أي جهة عابثة ان تشعل هذا الفتيل في ملعب كرة او حتى في ساحات جدل النخب او في تعليقات على اخبار او مقالات.
وحتى لا نخبئ رؤوسنا في الرمال فإن الامر ليس خاصا بمشجعين لكنني اعيد المسؤولين والمهتمين لقراءة التعليقات التي كانت على العديد من المواقع الاعلامية بل الى بعض المقالات التي كانت خلال عام مضى فقط لنقرأ ما تم نشره وما الذي قاله من كتبوا وإذا اردنا ان نكون اكثر صدقا مع انفسنا فإن بعض المسارات السياسية اصبحت شكلا من اشكال اثارة النعرات وليست فقط ملاعب الكرة.
لدينا مشكلة ولدينا ادوات معنية في بعض المراحل ان تتحد بلغة اقليمية، وسياسة بعض الحكومات في اغماض العيون ووضع الرؤوس في الرمال لم تعد مجدية بل هي طريق لتعميق الازمة، وحتى لو اغلقنا كل اندية الكرة وملاعبها فسنجد الداء في مجال آخر، ولدينا جميعا شواهد على ان القضية بحاجة الى حسم يتجاوز تهديد البيانات او الحديث عن لون الخط الذي تمثله الوحدة الوطنية لأن تجاوزا لهذا الخط حدث ويحدث وكلنا نتفرج ونتحدث بلغة عامة.