حجاب ساركوزي وجلباب حماس

رفض الحجاب كفرض الجلباب، كلاهما سلوك قسري مناهض لحق المرأة في الاختيار، ويتنافي مع أبسط قواعد حقوق الإنسان وآدميته، الأول يعبر عن سلوك علماني (لايكي) متطرف، وغالبا مناهض للدين والتدين، والثاني يعبر عن سلوك أصولي كاره للتعددية ويسعى في استحضار نماذج بائدة للحكم، لم تصلح لقرون خلت فكيف ستصلح لأزمنتنا المعاصرة.
العرب والمسلمون، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما حاولت بعض الدول العلمانية كفرنسا - ساركوزي أن تمنع الحجاب في مؤسسات الدولة والتعليم، وعندما اتخذت موقفا مناهضا من "النقاب"، وكذا الحال عندما حاولت دول أخرى فعل شيء مماثل، والحق أن الحملة على الحجاب لا تلقى قبولا حتى من قوى غير إسلامية وغير متدينة، ومن موقع احترام حقوق الإنسان، شريطة أن يكون "الحجاب" و"التحجب" قرارا حرا وطوعيا للمرأة لا أمرا مفروضا عليها بقوة "السلطة السياسية والذكورية".
من الموقع ذاته، فإن قرار سلطات غزة فرض "الجلباب" على المحاميات الفلسطينية، أمر مستغرب ومثير للاستهجان، فالمجتمع الفلسطيني تعددي بطبيعته، ولا يحق لحكومة هنية أن تستغل "سلطة الأمر الواقع" لفرض طابعها الخاص على الجميع، وتعميم أنماط عيشها وتفكيرها على مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني وتياراته، ثم أن المجتمع الفلسطيني متعدد طائفيا كذلك، فكيف تسمح حكومة لنفسها أن تفرض على غير المسلمين ما تعتقده زيا إسلاميا شرعيا، ومتى كان الناس يساقون إلى الجنة بالسلاسل.
نفهم أن تمارس حماس "الدعوة" و"الموعظة الحسنة"، إن جاز لنا أن نسميها كذلك، ولكننا لا نفهم أن تسعى إلى فرض نظامها "الإسلاموي" الخاص، اجتماعيا وثقافيا وسياسيا على الجميع، وبقوة القانون وسلطة الأمر الواقع...
في الحقيقة أن قرار ما يسمى "السلطة القضائية" لا ينقصه سوى تشكيل "شرطة دينية" شبيهة "بجمعية الأمر بالعروف والنهي عن المنكر"، أو الشروع في سَوْق المواطنين إلى المساجد بالعصي والهراوات، أو جلد الفتيات في الساحات العامة، إن لم يتدثرن بجلابيبهن أو يتخفين خلف "البرقع والنقاب"، إلى غير ما هنالك من سلوكيات وممارسات مرفوضه جملة وتفصيلا، في بلد المنشأ، فما بالك حين تكون مستوردة ومنسوخة عن أكثر القراءات تشددا وتزمتا للدين.
خلال السنوات الثلاث الفائتة، سجلت حكومة حماس جملة من المواقف والممارسات الباعثة على القلق، والتي تنم جميعها عن ميل لأدلجة "الدولة" والمجتمع، وفرض إملاءات وأنماط و"زي موحد" على الجميع، وضيق بالحريات الفردية وحقوق الإنسان، وانحراف عن قواعد الممارسة الديمقراطية، وهذه امور مرفوضة لا لكونها تتنافى مع تقاليد شعبنا الفلسطيني وإرثه الثقافي التعددي فحسب، بل ولأنها تضيف إلى متاعب أهل غزة متاعب جديدة، هم في غنى عنها.
وأحسب أن هذه الممارسات لا تساعد أصدقاء حماس والكثيرين من المتعاطفين معها، على الدفاع عن مواقف الحركة وتوجهاتها، بل وتفقدها الكثيرين منهم، كما أن خطوات من نوع منع أعضاء مؤتمر فتح السادس من السفر، تثير قلقا مماثلا، حتى وإن جاءت كردة فعل على حملة اعتقالات مكارثية – استئصالية ضد حماس في الضفة، فالاعتقالات في صفوف حماس هناك مدانة، وقد سبق لنا أن أدناها مرارا وتكرارا، ومن ذات الموقع لا نمتلك إلا أن ندين كل سلوك من شأنه استلاب المواطنين أيا كانت انتماءاتهم السياسية من حقوقهم الأساسية في العمل والتنظيم والاعتقاد والسفر والتنقل، والمأمول أن تبادر الحركة إلى تصحيح هذه الممارسات الشاذة بسرعة وحزم، وبصورة تواكب التغييرات الهامة التي تجريها الحركة على مواقفها وسياساتها، على طريق التأهل للقيام بدور قيادي يتخطى البعد الفصائلي الضيق إلى البعد الوطني الأوسع والأشمل.