استثمارات أونطة!

هناك مؤشرات تدل على أن تدفقات الاستثمارات الخارجية الواردة إلى المملكة انخفضت خلال الربع الأول من هذه السنة بنسبة 76%. وهناك مؤشرات أخرى تقول أن الاستثمارات التي استفادت من قانون تشجيع الاستثمار خلال الربع الأول من هذه السنة ارتفعت بنسبة 3ر10%، فماذا نصدق؟.
من الحكمة أن لا نصدق أيا منهما، فليست هناك طريقة لتحديد حجم الاستثمارات الواردة من الخارج بدقة، لأن تدفقات الأموال تأخذ طرقا عديدة بعضها غير قابل للحصر، خاصة وأن هناك استثمارات راجعة.
الأهم من ذلك أن جانبا هاما من الاستثمارات العربية التي نقابلها بالترحيب ليست استثمارات فعليه، ولا تمثل رؤوس أموال واردة من الخارج، بل تعتمد على الاقتراض الداخلي، وعندما أصبحت البنوك تتشدد في منح التسهيلات، توقف بعض تلك الاستثمارات المزعومة وهي في منتصف الطريق.
هناك أمثلة عديدة على مستثمرين جاؤوا إلى البلد صفر اليدين، أو برأسمال بسيط جدا، ومع ذلك سيطروا على بنوك وشركات، وامتلكوا أسهمها بأموال مقترضة أحيانا من نفس البنوك. وتحت اسم (مستثمر) حصلوا على دعم سياسي فتح لهم الأبواب، وسهـل لهم تجاوز القوانين والأنظمة ومعايير السلامة، والنتيجة ما نرى بأم أعيننا من حالات تدعو إلى الاكتئاب.
حتى في أوقات الرواج الهائل، حذرنا من الاستثمارات الكاذبة، وطالبنا بأن تكـون الاسـتثمارات انتقائيـة، فلسـنا بحاجة لمن يشتري أسـهم بنوكنا وشركاتنا ويسيطر على إدارتها بأموال مقترضة من البنوك أو بشراء الأسهم من أصحابها في صفقـات غير طبيعيـة، بأسعار مبالغ فيها، على أساس سداد قيمتها فيما بعـد، أي بعد السـيطرة الإدارية والوصول إلى أموال البنوك والشركات.
هناك محاولة جادة الآن لعلاج بعض الحالات، ولكن درهم وقاية خير من قنطار علاج. وممارسة الضغط على الجهات الرقابية لتمرير مطالب ما يسمى بالمستثمرين خلافا للقانون والأصول، يؤدي إلى أوخم العواقب، وليس أدل على ذلك من أن معظم السقطات الكبرى التي شهدها القطاع المصرفي ابتداء ببنك البتراء وانتهاء ببنك المال مرورا بكل الفضائح المالية المعروفة. ما كانت لتحدث لولا ضغوط سياسية لا يقلل من ضررها أن تكون أحيانا حسنة النية وهدفها تشجيع الاستثمار والقضاء على البيروقراطية.