الحوار الغربي مع حماس .. أبعد من مجرد رحلة استكشاف؟

بات الغرب عموما ، بجناحيه الأوروبي والأمريكي ، أكثر اقتناعا بالحاجة إلى إدماج حركة حماس في صلب حراكه السياسي الرامي حل المشكلة الفلسطينية من مختلف جوانبها ، وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة ، فضلا عن التقدم على خط مواز على المسارين السوري واللبناني ، ومن الواضح تماما أن ذرائع بعض العرب والفلسطينيين وحججهم الدافعة باتجاه عرقلة الحوار الغربي ـ الحمساوي ، لم تعد تجد آذانا صاغية في عواصم ومراكز صنع القرار الدولي ، التي بات من المؤكد أنها أعطت الضوء الأخضر لا لاستطلاع فرص الحوار فحسب بل ولسبر غبر احتمالات التوصل لصفقات وتسويات.
ويبدو للمراقب عن كثب للموقف الأوروبي ـ الأمريكي من عموم قضايا المنطقة ، أن ثمة إحساسا عميقا بالفشل يطارد السياسات الغربية حيال ملفاتها وأزماتها المختلفة ، وأن عواصم القرار الأوروبي - الأمريكي ، باتت مؤمنة بضعف قدرة الكثير من حلفائها على تلبية المطلوب منهم سواء فيما يخص عملية السلام أو على مستوى التحولات السياسية والديمقراطية المطلوبة في دولهم ومجتمعاتهم ، إن لغياب الإرادة أو لنقص في "الشجاعة" على حد تعبير الرئيس أوباما ، فبدأت تستطلع فرص البحث عن تحالفات جديدة ، موازية وليست بديلة ، للتحالفات القائمة ، أقله في هذه المرحلة.
وفقا لمصدر أوروبي فإن الغرب يقف حائرا أمام عدد من الظواهر والأسئلة ، منها على سبيل المثال: إلى متى ستبقى السلطة والحكومة في رام الله ممددة في غرف العناية الغربية الحثيثة ، ومتى تستيطع أن تقف على أقدامها ، وأن تظهر أنها قادرة على استعادة ثقة شعبها بها ، فحكومة السيد فيّاض وفقا للمصدر ، بالكاد تقوى على البقاء والاستمرار برغم مئات ملايين الدولارات التي تضخ في عروقها سنويا ، وبرغم كل الحماية والإسناد والتأييد الذي تحظى به من قبل المجتمع الدولي ، في حين ما زالت حكومة حماس في غزة ، قائمة ومنافسة وتعمل ميدانيا وعلى الأرض ، برغم الحصار البري والبحري والجوي المضروب على القطاع ، فما الذي كان بمقدور حكومة كهذة أن تفعله - يتساءل المصدر - لو أنها تلقت نصف الدعم الذي حظيت به حكومة فيّاض وسلطة رام الله ؟،.
والحقيقة أن الغرب وفقا لمصادر متطابقة ، بات شديد الضيق بشروط "الرباعية الدولية" ، وهو يريد أن يكسر الطوق الذي ضربه على نفسه ودبلوماسيته عندما فرض شروطا ثلاثة مسبقة للحوار مع حماس ، لكنه في الوقت نفسه ، ينتظر أن تقدم الحركة على الخطوة الأولى ، وأن ترفع الحرج الذي تجد واشنطن وعواصم أوروبية عدة نفسها عالقة فيه ، الأمر الذي يملي على الحركة البحث عن إجابة عن سؤال: ما الذي يتعين فعله ، من أجل تسريع حلقات الحوار ومحطاته ، وهو سؤال من غير المتوقع أن تجيب عنه دفعة واحدة ، وبصورة ترضي تماما الجانب الآخر ، ولهذا فإن من المتوقع أن تأتي الإجابات بالتوالي والتقسيط ، على دفعات ومقابل أثمان مقبوضة كذلك ، وهذا ما لمسنا "أول غيثه" في خطاب رئيس المكتب السياسي للحركة في دمشق مؤخرا.
جديد الحوار الغربي - الحمساوي في جولاته الأخيرة ، أنه يلتئم بعد أن أنجزت الحركة سلسلة من التكيفات الضرورية التي من شأنها تخفيف وطأة الحرج عن الحوار والمتحاروين ، بل وتشجع أطرافا عدة على خوض غمار التجربة ، وإلا كيف نفسر اجتماعات جنيف يومي 16 17و حزيران (يونيو) الماضي بين وفد رفيع وواسع من قادة حماس من جهة ومسؤولين ونواب أميركيين وأوروبيين حاليين وسابقين من جهة ثانية ، برعاية وتمويل من وزارة الخارجية السويسرية وبمشاركة مبعوث سويسرا إلى الشرق الأوسط جان دانيال روخ.
ولا أحسب أن لقاء ضم كلا من وكيل وزارة الخارجية الاميركي السابق توماس بيكرنغ ، ومسؤول برنامج الشرق الاوسط في "مجموعة الازمات الدولية" روبرت مالي ، والسفير البريطاني السابق في نيويورك وفي بغداد جيرمي غرينستوك ، ووزير الخارجية الفرنسي السابق هوبير فيدرين ، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الالماني روبرت بولينز ، وغيرهم من الباحثين والمختصين والدبلوماسيين - وفقا لجريدة الحياة - يمكن أن يكون قد التأم على عجل ، ومن دون ترتيب مسبق ، وبلا ضوء أخضر من عواصم دولية عدة.
كلما زاد "التورط" الغربي في السعي لحل المسألة الفلسطينية وإطلاق عملية التفاوض والسلام من جديد ، أدركت هذه الدوائر حاجتها لإدماج حماس في هذه العملية ، وكلما اتخذ الحوار معها طابعا متقدما من حيث مضمونه ومستوى المتحاورين وكلما تعددت أماكن التئام موائد الحوار وزادت درجة اقترابه من المواضيع الأكثر حساسية.