بطانة .. ولو في الاحلام
تم نشره الخميس 30 تمّوز / يوليو 2009 02:55 صباحاً

عبدالسلام الطراونة
نفضت المليحة جيدها دلالاً وهي تتمختر جيئة وذهاباً.. فبدت مثل مُهرةْ اصيلة بكامل قيافتها وقد فرغت للتو من فترة تطبيعها على يد خيّال ماهر.. وأخذت تنقر الميكروفون بلمسة اصبع شفيفة للتأكد من ان الصوت ما يزال يسري في اوصاله.. فاستفاق «الغافي» من سُباته على الفور وانحنى للمزيونة من اول نقره،،. ثم تنحنحت .. فعمل مثلها.. وضحكت بصوت خفيف.. فردد ذات الضحكة ونفس الوتيرة.. عندها استدارت الى المايسترو بزاوية محسوبة بدقة.. ورمقته بنظرة تقف على تخوم الغمزة.. فالتقط «المهضوم» الرسالة على الطاير.. وأومأ من فوره بعصاه الصغيرة صوب «الكورس» .. فاستنفروا اشخاصاً ونوتات وادوات موسيقية بما في ذلك الطبل،، ودقت «المزيكا» ايذانا ببدء البروفة،،
وكنت ارقب هذا السيناريو من خلف زجاج استوديو الاذاعة الاردنية ، حيث كنت اعمل اذاعيا حينذاك.. وتقاسمت وزملائي الرؤية عبر بوتقة من البلّور لا يتعدى عرضها متراً لنكون شهودا على تسجيل بعض الاغاني الفولكلورية للاذاعة بصوت مطربة كانت في اوج شهرتها آنذاك اي قبل نيف وثلاثين عاماً،،
حاصله.. بعد ان هدأت الموسيقى.. اطلقت المطربة العنان لحنجرتها بالشدو الى ان وصلت الى كوبليه تقول بعض كلماته: «من هواك يا الاسمر.. صابتني حُمىّ وبردا».
ولدهشتنا جميعا فقد خرج «الكورس» على النص ولعلّها المرة الاولى في تاريخه يقدم على هكذا فعله..، فبدل ان يردد وراء المطربة وبالحرف الواحد «صابتني حمى وبردا» اعلن التمرد وقال «صابتها حمى وبردا»،، متبرئاً بذلك من الحمى التي «نفضت» المطربة بسبب هوى المحبوب،، ومعلنا في الوقت ذاته انه اي «الكورس» ليس شاهد زور بل محايد ولا دخل له البتة بما اصاب المليحة من حمّى،،
ولدهشتنا ايضاً فان المطربة لم تعترض على تمرد «الكورس» المخالف لها في العلن.. ومضى كل شيء كما لو كان المشهد برمته في سياق اتفاق مسبق بين المطربة وفرقتها الموسيقية،،
ما علينا.. فقد طوي المشهد الفني كما يبدو تحت عنوان «الفرقة على حق»،،
وبعد الانتهاء من تسجيل الاغنية انفردتُ باحد اعضاء الفرقة الموسيقية ممن تربطني به علاقة العيش والملح والشاي الذي كنا نتناوله في مقصف الاذاعة احيانا.. وقلت له: يا فلان لماذا خذلتم المطربة المسكينة حين خرجتم على النص فبدا وكأن الفنانة تغني في الغرب «والفرقة» تردد في الشرق.. فهل هذا يجوز؟،
فضحك وقال: نحن لم نخذلها ابدا.. فالمسألة وما فيها ان المطربة تشكو من حُمى هوى المحبوب وهذا شأن خاص،، وما دخلنا بذلك نحن «الغلبانين» افراد الفرقة الموسيقية؟، صحيح اننا نشكل بطانتها الفنية.. لكن الواجب يقضي بان نكون صادقين وصرحاء معها لذا أعلنّا براءتنا من الحمى وقلنا: «صابتها حمى وبردا»،، واردف قائلا: بدّي اسألك يا صديقي: ما دامت المخلوقة راضية بالموضوع فما الذي يقلقك انت؟،
وقلت على الفور: انا لست قلقا يا أخا العرب.. كل ما في الامر انني معجبّ بفرقتكم الموسيقية مرتين اولاهما لانكم تنتهجون الصدق والصراحة قولاً.. والثانية عندما اعلنتموه فعلاً وعلى الملأ،،
وكم تمنيّتُ يا صديقي لو يتأسّى باسلوبكم من حيث الصدق والصراحة تلك البطانات المحيطة بالمسؤولين في عالمنا العربي بأسره.. بدءاً من البطانات الصالحة ومروراً بشلة «على حسب الريح» ومسامير الصحون وهزازي الذنب وبعض المنافقين الذين يصفقون للوزير القادم في التشكيلة الوزارية ويُصفّرون له عند الخروج،،
ويتمنّى المرء بأن تقوم بطانة بجردة حساب بالحقائق والارقام تخصّ من يهبط على الكرسي وهو «مديونير» فيصبح بعد بضع سنوات مليونيراً،، وان تهمس في اذنه قائلة: من اين لك هذا؟، وكيف اصابتك حُمّى الغنى فجأة؟،
ويحلُم الواحد بأن يقوم بعض الناخبين الذين لم يفً نائبهم بوعده وبما جاء في برنامجه الانتخابي وان يقولوا له بصراحة: نحن الذين اوصلناك الى قبة البرلمان واذا لم تستقم فمن الاجدر ان لا تحلم بها ثانية،،
ويتمنى اولو الالباب بان تعتمد بعض القواعد الحزبية ، خاصة تلك التي تعتمد اسلوب الهرم المقلوب حيث تتم «النيشنه» على منصب الامين العام قبل اكتمال بُنية الحزب وقواعده العريضة.. يتمنون على القواعد اعتماد اسلوب الصراحة والمصارحة الديمقراطية افقياً وعمودياً داخل حزبهم لكي تكون الاسس سليمة وديمقراطية بعيدا عن اسلوب الفزعة وتكنولوجيا الرضاوات وتبويس اللّحى والمناسف،،
ويتمنى المرء على بعض الاقلام التي ابتليت بحامليها من ذوي الضمائر الميتة ان تسألهم: الى متى ستظل حالة فك الارتباط بين لسان النفاق الحاضر دائماً ووجدان الحق والصدق الغائب على الدوام؟،
يتمنى ان يصارح القلم حامله كي لا يظل شريكا معه في الخطأ والخطيئة والنفاق والعوج ومحاولات اشعال نار الفتنة بين ابناء الاسرة الواحدة،،
ويتوقع المرء بان تلبس ابرة القلم ثوب الصراحة والصدق كي لا تظلّ كالابرة الصمّاء التي تخيط الاثواب لمن لا يستحقونها وتكسي الآخرين وهي عارية؟،
وفي الختام.. تطول قائمة التمنيات.. لكن المرء يغمض العين ويفتح نوافذ القلب والوجدان وهو يتصور ابناء امتنا العربية وقد نبذوا الشعارات الجوفاء التي ذبحتنا من الوريد الى الوريد والانصراف الى العمل النافع ، كل في مجال اختصاصه.. لكي نكون جديرين كأبناء صالحين لخير امة أُخرجت للناس.
وكنت ارقب هذا السيناريو من خلف زجاج استوديو الاذاعة الاردنية ، حيث كنت اعمل اذاعيا حينذاك.. وتقاسمت وزملائي الرؤية عبر بوتقة من البلّور لا يتعدى عرضها متراً لنكون شهودا على تسجيل بعض الاغاني الفولكلورية للاذاعة بصوت مطربة كانت في اوج شهرتها آنذاك اي قبل نيف وثلاثين عاماً،،
حاصله.. بعد ان هدأت الموسيقى.. اطلقت المطربة العنان لحنجرتها بالشدو الى ان وصلت الى كوبليه تقول بعض كلماته: «من هواك يا الاسمر.. صابتني حُمىّ وبردا».
ولدهشتنا جميعا فقد خرج «الكورس» على النص ولعلّها المرة الاولى في تاريخه يقدم على هكذا فعله..، فبدل ان يردد وراء المطربة وبالحرف الواحد «صابتني حمى وبردا» اعلن التمرد وقال «صابتها حمى وبردا»،، متبرئاً بذلك من الحمى التي «نفضت» المطربة بسبب هوى المحبوب،، ومعلنا في الوقت ذاته انه اي «الكورس» ليس شاهد زور بل محايد ولا دخل له البتة بما اصاب المليحة من حمّى،،
ولدهشتنا ايضاً فان المطربة لم تعترض على تمرد «الكورس» المخالف لها في العلن.. ومضى كل شيء كما لو كان المشهد برمته في سياق اتفاق مسبق بين المطربة وفرقتها الموسيقية،،
ما علينا.. فقد طوي المشهد الفني كما يبدو تحت عنوان «الفرقة على حق»،،
وبعد الانتهاء من تسجيل الاغنية انفردتُ باحد اعضاء الفرقة الموسيقية ممن تربطني به علاقة العيش والملح والشاي الذي كنا نتناوله في مقصف الاذاعة احيانا.. وقلت له: يا فلان لماذا خذلتم المطربة المسكينة حين خرجتم على النص فبدا وكأن الفنانة تغني في الغرب «والفرقة» تردد في الشرق.. فهل هذا يجوز؟،
فضحك وقال: نحن لم نخذلها ابدا.. فالمسألة وما فيها ان المطربة تشكو من حُمى هوى المحبوب وهذا شأن خاص،، وما دخلنا بذلك نحن «الغلبانين» افراد الفرقة الموسيقية؟، صحيح اننا نشكل بطانتها الفنية.. لكن الواجب يقضي بان نكون صادقين وصرحاء معها لذا أعلنّا براءتنا من الحمى وقلنا: «صابتها حمى وبردا»،، واردف قائلا: بدّي اسألك يا صديقي: ما دامت المخلوقة راضية بالموضوع فما الذي يقلقك انت؟،
وقلت على الفور: انا لست قلقا يا أخا العرب.. كل ما في الامر انني معجبّ بفرقتكم الموسيقية مرتين اولاهما لانكم تنتهجون الصدق والصراحة قولاً.. والثانية عندما اعلنتموه فعلاً وعلى الملأ،،
وكم تمنيّتُ يا صديقي لو يتأسّى باسلوبكم من حيث الصدق والصراحة تلك البطانات المحيطة بالمسؤولين في عالمنا العربي بأسره.. بدءاً من البطانات الصالحة ومروراً بشلة «على حسب الريح» ومسامير الصحون وهزازي الذنب وبعض المنافقين الذين يصفقون للوزير القادم في التشكيلة الوزارية ويُصفّرون له عند الخروج،،
ويتمنّى المرء بأن تقوم بطانة بجردة حساب بالحقائق والارقام تخصّ من يهبط على الكرسي وهو «مديونير» فيصبح بعد بضع سنوات مليونيراً،، وان تهمس في اذنه قائلة: من اين لك هذا؟، وكيف اصابتك حُمّى الغنى فجأة؟،
ويحلُم الواحد بأن يقوم بعض الناخبين الذين لم يفً نائبهم بوعده وبما جاء في برنامجه الانتخابي وان يقولوا له بصراحة: نحن الذين اوصلناك الى قبة البرلمان واذا لم تستقم فمن الاجدر ان لا تحلم بها ثانية،،
ويتمنى اولو الالباب بان تعتمد بعض القواعد الحزبية ، خاصة تلك التي تعتمد اسلوب الهرم المقلوب حيث تتم «النيشنه» على منصب الامين العام قبل اكتمال بُنية الحزب وقواعده العريضة.. يتمنون على القواعد اعتماد اسلوب الصراحة والمصارحة الديمقراطية افقياً وعمودياً داخل حزبهم لكي تكون الاسس سليمة وديمقراطية بعيدا عن اسلوب الفزعة وتكنولوجيا الرضاوات وتبويس اللّحى والمناسف،،
ويتمنى المرء على بعض الاقلام التي ابتليت بحامليها من ذوي الضمائر الميتة ان تسألهم: الى متى ستظل حالة فك الارتباط بين لسان النفاق الحاضر دائماً ووجدان الحق والصدق الغائب على الدوام؟،
يتمنى ان يصارح القلم حامله كي لا يظل شريكا معه في الخطأ والخطيئة والنفاق والعوج ومحاولات اشعال نار الفتنة بين ابناء الاسرة الواحدة،،
ويتوقع المرء بان تلبس ابرة القلم ثوب الصراحة والصدق كي لا تظلّ كالابرة الصمّاء التي تخيط الاثواب لمن لا يستحقونها وتكسي الآخرين وهي عارية؟،
وفي الختام.. تطول قائمة التمنيات.. لكن المرء يغمض العين ويفتح نوافذ القلب والوجدان وهو يتصور ابناء امتنا العربية وقد نبذوا الشعارات الجوفاء التي ذبحتنا من الوريد الى الوريد والانصراف الى العمل النافع ، كل في مجال اختصاصه.. لكي نكون جديرين كأبناء صالحين لخير امة أُخرجت للناس.