غريـزة البقـاء

تعلن نتائج الثانوية ، يفرح الناس ، تدخل الفرحة بيوتهم ، وتأتي اموال البورصات ، تخفف عن الضحايا ، وتعيد بعض حقوقهم ، وتدخل البهجة بيوت الناس ، ايضا ، وقبلهم تعلن نتائج الامتحان الشامل ، لتحل الفرحة في بيوت كثيرة.
سيكولوجيا الفرح ، تثبت كثيرا ، ان الناس في واد ، والنخبة في واد اخر ، وحين ترى الالاف مستبشرين فرحين ، برغم كل ضنك الحياة ، ومصاعبها ، تعرف ان الوجه الاردني المتجهم ، خلفه قلب يبحث عن السعادة ويريدها ، تجهمه من باب تثبيت الذات والاحترام ، وعدم الظهور بصورة من يتسم بالميوعة ، لكنه شعب يبحث عن لحظات مسرة ، حتى تلك المواكب للخريجين والعرسان ، على الرغم من ازعاجها ، ومخالفتها للقانون ، تقول لك ان ها هنا مسرة ، دخلت الليلة الى بيت ما.
كل قصصنا عن الازمات الوطنية ، والاضطرابات ، والقلق ، والمحن السياسية ، ترى عكسها في الشارع ، فالناس يفهمون كل شيء ، معادلاتهم الاجتماعية تسير وفقا لساعة مختلفة تماما عن اعتقادات النخب ، همومهم ترتبط اساسا ، بحياتهم ، وخطاهم ترتسم على اساس قواعد نظيفة ، الجار للجار ، والاخ لاخيه ، والعلاقات اليومية ، تسير وفقا لانماط تغيب عن بال المحللين ، الانسان الاردني الشهم والكريم والطيب ، يحب بلده واهله ، وحين يقلب بصره في الاقليم من حوله ، يعرف ان هذا البلد يستحق ان نحافظ عليه ، وان لا يلحقه ما في الاقليم من مصائب ومشاكل اكلت الاخضر واليابس ، يعرف بغريزته ان البقاء عقيدة ، ولا بقاء الا باستمرار الحياة في احلى صورها.
تسافر كثيرا ، وترى كيف ان الانسان في عواصم الجوار ، منتهكة حقوقه ، لا قيمة له ، يذهب خلف الشمس ، لاجل شبهة او وشاية ، ترى كيف يتم هدر حياة الناس وحقوقهم ، لكنك ترى في الاردن كيف اننا ما زلنا في نعمة ، وان اعتراضاتنا على كثير من المشاهد السيئة ، سببه الخوف على البلد ، والمستقبل ، رسائل التحذير التي نطلقها ، سببها ليس تشويه الصورة ، او تسوديها ، هي رسائل مثل جرس الانذار ، لان حياتنا تعنينا ، ولان البلد يعنينا ، لكننا لا ننسى في غمرة كل ذلك ، اننا مازلنا بخير ، فأي بلد هو الذي يتظاهر فيه مئات المواطنين على انقطاع المياه لاربعة اشهر في قرية كركية ، ويصرون على مقابلة رئيس الحكومة ، فينصاع لرغبتهم ، لانه يعرف انهم اهم مافي الكون ، واي بلد يتظاهر فيه الناس امام ديوان الملك ، ويعودون الى بيوتهم ، دون ان يمس حياتهم احد.
حين ترى مشاهد الفرح في بيوت الناس ، بعد اعلان نتائج الثانوية العامة البارحة ، تعرف ان الناس لم تستسلم لكل هذا القدر من اليأس الذي نكتب عنه احيانا ، ونبثه في صدور الناس ، تعرف ان في قلوب الناس ، مساحات بيضاء ، وسعادة ، وانهم ما زالوا يصرون على البقاء بكل الوسائل ، وحين يبيع الانسان قطعة ارضه الوحيد ليعلم ابنه ، تعرف ان غريزة البقاء قوية لدى هذا الشعب ، في وجه العدو ، المتربص بأهل الشرق ، وفي وجه كل التحديات.
ما زلنا نصر على اننا نستحق الحياة ، ومثل هذا الشعب لن ينثني ، مهما حاول كثيرون جعلنا كذلك.
mtair@addustour.com.jo