فتح وخياراتها المحدودة !

لم تكن فتح بحاجة إلى فلسفة عقائدية تجمع جماهيرها على نهج اجتماعي/اقتصادي كالماركسية أو الاشتراكية أو الرأسمالية. فقد كان همها كحركة تحرير وطنية هو إعادة فلسطين الى موقعها على الخارطة أولا، وإعادة الهوية النضالية إليه.. وسط استقطاب قومي عربي، وإسلاموي، وماركسي، ووسط استقطاب دولي جزأ المنطقة إلى تقدميين ورجعيين.. مع الغرب أو مع الشرق!!.
كانت دعوة فتح بسيطة: إعادة فلسطين إلى الوجود، وإعادة الهوية إلى الفلسطيني. ولذلك وجد الناس كلهم أنفسهم في فتح،.. كل الطبقات وكل الطوائف وكل المدارس القومية والإسلاموية والماركسية.. والجميع!!.
وحين أقيمت منظمة التحرير فان مجلسها الوطني كان يضم وجوها معروفة ، وافتتح مجلسها الوطني الاول الملك حسين رحمه الله ..
بعد احتلال الضفة وغزة، وهزيمة الجميع وجدت فتح انها الشرعية الحقيقية.. فصادرت منظمة التحرير وجعلت من شرعية المقاومة كيانيتها السياسية. لكنها لم تمنع الأحزاب السياسية العربية (كيف تمنعها؟) من خلق منظمات مقاومة دخلت الساحة بأسماء وشعارات ليست بعيدة عن أحزابها، لكنها تجلببت بجلباب فلسطين. فقد حجزت كل دولة وكل حزب مقعدا لها في منظمة التحرير.. إلى جانب فتح!!.
لسنا هنا لنقيم مسيرة هذا التنظيم الأساسي الفلسطيني، لكنها بعد خروجها من الأردن ولبنان، ووضع قيود عليها في سورية، وجدت نفسها أمام وضع عربي ودولي مختلف فدخلت اللعبة السياسية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسيطرة القطب الأميركي، وبعد كامب ديفيد، وبعد أن أصبحت بعيدة جغرافيا عن جماهيرها.. وبعد تراجع المد القومي.. ثم الأهم استحقاق وقوفها إلى جانب العراق في معركة الخليج. وهو استحقاق كان لا بد من دفعه!!.
اقامت فتح كيانها الوطني على ارض فلسطين بدءا من اوسلو. لكن الرئيس عرفات رحمه الله حاول ان يتجاوز حقائق الاتفاق. فهذا الكيان هو ''ادارة الحكم الذاتي المؤقت'' لمناطق محددة بالمرحلة الاولى وليس دولة فلسطين. تماما كما كان يقول: حكمت لبنان من الفاكهاني! وكان مغرما بالبساط الاحمر والعلم والنشيد كلما غادر غزة وعاد اليها. وكان ذلك مفهوما لعقل اسحق رابين، فهو لا يريد ان يبدو عرفات ضعيفا امام الفلسطينيين. ولكن ذلك كان صعبا على خلفائه.. حتى جاء شارون فاطاح باوسلو. وحاصر عرفات وخرج من غزة وترك لحماس ان تستولي على السلطة بالانتخاب ثم بالانقلاب في غزة.
هل تنجح قيادة فتح في لملمة اوضاع مؤسسة هرمة، واعادتها الى الشارع الفلسطيني بوجه آخر اكثر فتوة وشبابا؟؟ هل فتح أمام دولة فلسطين باقتدار طالما ان الطرف الاخر (حماس) تشكك في دولة تقوم بموافقة اسرائيلية؟؟.
وهل اعتدال قيادة فتح هو استجابة لفكر سياسي ام لانها لا تملك غيره في الوضع الحالي؟؟.
.. من المؤكد أن شعار الكفاح المسلح صار وراء فتح عمليا وواقعيا.. ومن المؤكد أن الرهان على العملية السياسية هو الخيار الوحيد. وبانتظار بياناتها وقياداتها المنتخبة، بعد عشرين عاما، فلا احد يتوقع لغة متشنجة وصوتا مرتفعا!.