ظاهرة التمرد المتطرف

تم نشره الأربعاء 26 حزيران / يونيو 2013 01:50 صباحاً
ظاهرة التمرد المتطرف
د. رحيّل غرايبة

عندما انتفض المصريون على نظام مبارك الذي استمر في الحكم ما يزيد على ثلاثة عقود متوالية، لم تكن ثورة على شخص ولا قرار سياسيا أو إداريا، وإنما كانت ثورة على الظلم والتسلط والقهر والكبت، ثورة على منظومة حكم متوارثة، مستمدة من فلسفة الحكم الديكتاتوري المطلق، التي بقيت مسلطة على رقاب المصريين طوال الدهر، قائلة لهم: "ما علمت لكم من إله غيري وهذه الأنهار تجري من تحتي".

هدف الثورة الكبير يتمثل بإعادة السلطة للشعب، وأن يصبح المصري قادرا على اختيار الحاكم بحريّة تامة وإرادة مطلقة، وقد تحقق هذا الهدف وتم إنجازه بنجاح، واستطاع الشعب المصري أن ينتخب رئيس الدولة لأول مرة في تاريخ مصر القديم والحديث، ومن خلال معركة تنافسية حقيقية، محمومة وشرسة وحادة ودقيقة.

لا يجوز التقليل من هذا الإنجاز، ولا يجوز أن يتجرأ أحد يملك ذرة من عقل ومنطق ووطنية أن يحط من شأن هذا الهدف التاريخي العظيم، الذي يبعث على الفخر والاعتزاز والتسامي الذي يصل إلى مدارات نجوم أفقا وعلوا وانطلاقا في سماء الحريّة، والغارقون في العبودية وحدهم الذين لا يدركون عظمة هذا الإنجاز وسمو هذا الهدف.

هذا الإنجاز وضع مصر على عتبة جديدة، ونقلها نحو مرحلة مختلفة جذريا، تتيح المجال للشعب المصري القدرة على استبدال الحاكم بعد انتهاء دورته عبر انتخابات عامة قادمة من خلال تكرار معركة التنافس ذاتها بين القوى السياسية والمكونات الفعلية للشعب المصري، بعيدا عن منطق الفوضى والعنف والثورة والتمرد في كل مرة.

ليس ضروريا عندما يتمكن الشعب من الاختيار أن ينتقل إلى مصاف الدول العظمى دفعة واحدة، وأن يكون قادرا على التخلص من الفقر والبؤس والترهل والعجز والأمية "واسرائيل" بضربة عصا، كما فعل موسى عليه السلام عندما ضرب البحر، أو عندما قابل السحرة، بل يمكن القول أن انتخاب الرئيس عبر صناديق الاقتراع وضع مصر في بداية الطريق نحو البناء والإنجاز، وسوف تكون البداية صعبة وشاقة وقاسية وبطيئة ومملة، لأن سنن الكون تقول أن معركة البناء ليست كمعركة الهدم، من حيث السرعة واستهلاك الوقت.

الحد الأدنى من المنطق يقول: انه لا بد من إعطاء الرئيس المنتخب الفرصة التامة والكاملة أن يعمل على تحقيق برنامجه المعلن لمرحلة التأسيس الأولى، وأن يمنح كامل الصلاحيات الدستورية والقانونية على التنفيذ، فضلاً عن المنطق الذي يفرض التعاون وإسداء النصيحة المخلصة والمشورة الصادقة، نحو تحقيق المصلحة العامة، وترسيخ جذور الديمقراطية الوليدة، لأن الشجرة الباسقة ذات الأغصان العظيمة والظلال الوافرة بدأت بذرة مطمورة في الأرض انتجت برعمًا كان طريا ضعيفا عرضة لقصف الريح أو اعتداء عصفور صغير...، فهو يحتاج لرعاية كل الأطراف وجميع الأفراد، مهما اختلفت أفكارهم وميولهم وانتماءاتهم واتجاهاتهم وأصولهم وأعراقهم...

الطريقة الوحيدة لتغيير الرئيس واستبداله بعد تمكين الشعب من انتخابه، هي عن طريق إقناع الشعب خلال المدة القادمة ببرامج جديدة وأفكار جديدة وأحزاب جديدة تخوض معركة التنافس الحر النزيه على نتائج صناديق الاقتراع، والفرصة الذهبية متاحة.

أعتقد أنه من باب التضيحة والعمل الفدائي الخارق، الإقدام على تحمل المسؤولية في بدء عملية التغيير، لصعوبة المهمة في ظل تراث الدولة العميقة الباقية بمؤسساتها وكادرها الوظيفي، وفي ظل غياب النظام المؤسسي المكتمل البناء وفقاً لفلسفة موّحدة ومنهجية واضحة تحظى بالإجماع، وفي ظل طموحات الجماهير الواسعة وآمالها العريضة بحلول سريعة لا تقبل الانتظار!!

إن إجماع قوى المعارضة المتحدة مع فلول النظام السابق وأصحاب المصالح المتضررة من زوال النظام السابق، الممزوج بالعداء الفكري والأيدولوجي للرئيس الجديد، على إفشال التجربة الجديدة واجهاضها من أول يوم وإعلان التمرد العام على طوال أيام السنة التي مرت على انتخاب الرئيس الجديد أمر لا يقره عقل ولا منطق ولا خلق على وجه الأرض، ولا تقره كل شرائع الأرض والسماء.

قد أخالف الرئيس ولا اتفق معه في بعض القرارات والسياسات ولكن هذا ليس مبرراً لممارسة العمى السياسي، والعقم الوطني والفوضى المستمرة بلا أفق ولا منطق، فهذا منطق المهزوم المنبت والمحبط اليائس القائل: "عليّ وعلى أعدائي يا رب". ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات