إدارة أوباما إذ تفقد ألقها
فقدت إدارة الرئيس أوباما الكثير من زخمها وبريقها بعد ستة أشهر من توليها مقاليد الحكم ، وحلت التحفظات الحذرة محل الرهانات المتفائلة والتكهنات المستبشرة بكل خير وتقدم ، والأرجح أن تذهب التقديرات المتصلة بأداء الإدارة حيال بعض الملفات الدولية ، بالميل نحو التشاؤم قبل أن تكمل الإدارة عامها الأول.
في الملف الإيراني ، وقفت واشنطن عاجزة ، مترددة ومرتكبة حيال ما جرى في إيران بعد انتخابات الرئاسة واندلاع الاحتجاجات ، فهي احتفظت لنفسها بمسافة تفصلها عن الأزمة الإيرانية ، سرعان ما اجتازتها لصالح الانحياز لـ"الإصلاحيين" لتعود بعدها لتهئنة الرئيس الإيراني المنتخب ، قبل أن تسحب التهنئة وتغلق الملف بأسره ، في ارتباك ظاهر بالكاد تقع في مثله ، دولة من دول العالم الثالث.
وفي الملف الإيراني أيضا ، لا يبدو أن واشنطن لديها استراتيجية واضحة في التعامل مع ملف طهران النووي ، فهي تارة تبدي حزما تجاه ميل إسرائيل لخيار "الضربة العسكرية" وأحيانا يصدر عنها ما يشي باقترابها من "المقاربة الإسرائيلية" لهذا الملف.. أحيانا يخبرك مسؤولون أمريكيون بأن الوقت ضاغط ، وأن واشنطن اختصرت فترة السماح الممنوعة لإيران للرد على دعواتها الحوارية إلى سبتمبر ـ أيلول القادم ، وأحيانا تأتيك تقارير استخبارية لتؤكد بأن 2013 هو أقرب موعد لإيران مع القنبلة الذرية ، وكذا الحال ، هبة ثلج وهبة نار ، ولا أحد يعرف أين تتجه الولايات المتحدة في علاقاتها مع إيران ، وأيهما يقود الآخر على هذا الطريق: إسرائيل أم الولايات المتحدة.
وفي ملف عملية السلام ، وبعد الزيارات المتكررة لجورج ميتشيل وفريديك هوف وجيفري فيلتمان ودانيال شابيرو في عواصم المنطقة ، تبدو العملية برمتها في مربعها الأول ، أو ربما تبدو وقد عادت إلى نقطة البدء ، فلا إسرائيل بقيادة اليمين في وارد الانصياع لمطلب وقف أعمال الاستيطان ، ولا تل أبيب بصدد إبداء أي قدر من المرونة حيال الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة ، ولا العرب في المقابل ، راغبون أو قادرون إن هم رغبوا ، في تقديم هدايا مجانية لحكومة متطرفة لم تؤمن يوما بالسلام ، وليس ثمة ما يشي بأنها ستفعل ذلك مستقبلا.
وفي الملف العراقي ، تصدر عن واشنطن تقديرات متفاوتة لحجم التهديد ومستقبل خطط الانسحاب ومصائر الاتفاق الأمني وحجم تنظيم القاعدة ونفوذه ودور الصحوات والموقف من المالكي وحكومته وائتلافه ، وهو تفاوت يمليه انعدام الثقة واليقين ، لا حيال المستقبل فحسب ، بل وحيال الحاضر المترع بروائح التفجيرات والعنف الأعمى والقتل المجاني والمستقبل المجهول ونذر الحرب الأهلية التي تطل برأسها البشع من جديد.
حتى في ملفات بعيدة عنا بعض الشيء ، تبدو الولايات المتحدة في ورطة لا تقل عمقا وتأزما ، فأفغانستان تتحول إلى مقبرة لأحلام الإدارة في تحقيق منجز دولي ، وبرغم زعم واشنطن بأنهم "تمتلك استراتيجية نصر" هناك ، فإن كل الدلائل تشير بأن هذه الاستراتيجية متوقفة على قبول طالبان بالانضمام إلى العملية السياسية والالتحاق بـ"اللويا جيرغا" التي سيدعو لها حميد قرضاي بعد إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة ، وهو أمر مستبعد على أية حال ، والأرجح أنه لن يكون مقبولا إلا بشروط طالبان ، وهي شروط ستجعل نصر واشنطن هزيمة مضاعفة.
ربما يكون النصر المؤقت في وادي سوات ، وإصابة أو قتل بيت الله محسود ، هو أهم ما حققته هذه الإدارة حتى يومنا هذا ، فلا يوجد ملف واحد ، نجحت الولايات المتحدة في حله ، أو وضعه على سكة الحل على أقل تقدير ، منذ أن استوطنت البيت الأبيض حتى الآن ، بما في ذلك الملف الكوري الشمالي ، وملف السودان بشقية الدارفوري والجنوبي ، وملف غوانتنموا والحرب على الإرهاب ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان.
لا نريد أن نحكم على هذه الإدارة مسبقا وقطيعا ، ولكن فترة السماح المعتادة انتهت ، وبات من حق الجميع تقييم الأداء ، والتقييم بمجمله حتى الآن لا يبعث على الثقة ، والخشية أن مرور الوقت يثير الضجر ويبعث على اليأس ويبدد الأمل ويضعف الهمة ، ويفقد هذا الرئيس الكثير مما أحيط به من تقدير ورهانات وتوقعات.
وأيا يكن من أمر ، فإن أيلول ـ سبتمبر يقرع الأبواب ، ومع انتهائه سيصبح ممكنا التعرف على الوجهة التي ستسلكها واشنطن حيال أهم ملفين يعنيان المنطقة: إيران وعملية السلام.