"الحسم" .. سياسي في دمشق وعسكري في رفح

حسنا فعلت حماس إن هي استأصلت "إمارة رفح الإسلامية" قبل تمددها وانتشارها كالنبت الشيطاني ، فالإمارة مشروع مشبوه من ألفه إلى يائه ، وأميرها عبد اللطيف موسى هو واحد من "أمراء الظلام" الذين ما إن دخلوا قرية إلا وأفسدوها...هؤلاء ليسوا من "المقاومة" في شيء ، وعرّابوهم في "تورا بورا" وقندهار ومناطق القبائل ، لم يكرم الله وجوههم بقتال إسرائيل ، وهم الذي لم يبقوا عاصمة عربية أو إسلامية إلا وزرعوا فيها القتل والدمار ، ودائما تحت ستار "الشريعة" و"حدود الله" وبناء الإمارة أو الدولة الإسلامية ، وسجلهم في العراق وأفغانستان ، شاهد على إجرامهم المتواصل بحق أمتهم وشعوبهم.
على أننا لا نعفي حماس من المسؤولية عمّا آل إليه حال القطاع من غلو وتطرف ، فتحت جنح الحركة الإخوانية ، تسربت السلفية الجهادية ، بل والسلفية بتلاوينها المختلفة إلى فلسطين ، وابتنت لنفسها إمارة بل إمارات ، وكثيرون من مقاتلي هذه الجماعات و"مجاهديها" وجدوا في حماس ملاذا آمنا وخيمة تظللهم وإن إلى حين ، وعندما استحالت حماس إلى حكومة والحركة إلى السلطة ، أخذ هؤلاء بالارتداد عليها ، وقد كان الاشتباك مع الجيش الإسلامي وعائلة دغمش أول غيث هذه المواجهات التي لن تنتهي بمعارك رفح الدامية على أغلب تقدير.
ويتيعن على حماس أن تبحث بداخلها ومن حولها عن أسباب هذه الظاهرة ، فنحن نعرف أن عددا من قادة حماس ، بينهم من لقي وجه ربه في حرب غزة ، هم الذي شجعوا واستحضروا هذه القوى وغضوا الطرف عن نشاطها في البدء ، إلى أن شبّ هذا المولود عن الطوق ، وبدأ بكيل الاتهامات لحماس ذاتها واصفا الحركة بالـ"علمانية" ، ولكم أن تتخيلوا كيف ينظر هؤلاء لبقية الحركة الوطنية الفلسطينية إن كانت حماس من وجهة نظرهم حركة علمانية كافرة ؟،
ونحن وإن كنا نستبعد تماما إقدام السلطة على دعم هذه القوى الظلامية حقا ، كما تُسرب مصادر حماس وحكومة هنية ، إلا أننا لا نستبعد قيام "بعضهم" من أصحاب الأجندات المريضة و"التمويل المشبوه" بفعل ذلك ، ألم يفعل نظراؤهم في لبنان أمرا مماثلا؟ ألم يدعم "بعض تيار المستقبل" و"بعض الأجهزة الأمنية" "فتح الإسلام" في نهر البارد و"جند الشام" في عين الحلوة ، ودائما تحت شعار : إعادة توجيه الحركة السلفية لتتموضع ضد إيران وحلفائها في المنطقة ؟ ومثلما كان حزب الله في لبنان هو هدف ذلك الدعم ، فإن حماس في قطاع غزة ، مرشحة لأن تكون هدفا مماثلا لدعم مماثل ، ومن الينابيع ذاتها تقريبا حتى وإن اختلف الوسطاء.
حماس بـ"حسمها العسكري" لإمارة عبد اللطيف الإسلامية في رفح ، تكون قد وجهت رسائل واضحة إلى غير جهة: أولها ، فتح بعد مؤتمرها السادس ، وفحواها أن حماس رقم صعب في غزة ، وأن المجيء بأنصار الحسم العسكري إلى اللجنة المركزية الجديدة لن يقدم ولن يؤخر...وثانيها ، إلى مصر ، ومفادها بأن غزة لن تكون رديفا وداعما للإرهاب الأصولي ـ السلفي الذي ضرب مصر وهدد أمنها واستقرارها....وثالثها ، إلى المجتمع الدولي ، وتحديدا الولايات المتحدة ، ومفادها بأن حماس ركن من أركان الحرب على الإرهاب ، وليست فصيلا من فصائله ، بدلالة أنها قامت بدور مبادر وحاسم حين جد الجد ، وحلت ساعة الاستحقاق.
لا ندري إن كانت هذه الرسائل قد بلغت مرادها ووصلت إلى من يعنيهم الأمر أم لا ، لكنني أعتقد أن "الحسم العسكري" في رفح ، إذ يأتي لاحقا لـ"الحسم السياسي" في دمشق كما تبلور في خطاب خالد مشعل ، يعطي صورة عن الوجهة التي قررت حماس أن تسلكها في قادمات الأيام ، وهي وجهة يتعين دعمها وإسنادها ، إن أريد لحماس أن تكون جزءا من الحل لا سببا في تخليق المزيد من المشاكل.