ادارة جديدة للازمة الاقتصادية

الكل يتذكر التصريحات الايجابية لمسؤولين في الدولة حول التداعيات الايجابية للازمة المالية على الاقتصاد الاردني, وبعضهم ذهب الى ما أبعد من ذلك بكثير حيث اعتبروه حدثا ستكون له بركات جمة على الاردنيين, ولعل في هذا بعض الواقعية والسذاجة معا.
التداعيات الايجابية للازمة انحسرت في فاتورة النفط التي تراجعت بنسبة 40 بالمئة مما انعكس بشكل ملموس على تحسن في العجز التجاري من جهة ومعيشة المواطنين من جهة اخرى, طبعا هناك مؤشرات ايجابية اخرى, لكن ما يهمنا مدى دوام الوضع الايجابي على الاقتصاد الوطني, اليوم نستطيع ان نقول ضمن معطيات الاقتصاد الوطني ان حالة الايجاب التي نَعِمَ بها الاقتصاد على المدى القصير بدأت اتجاهاتها تتحول الى المنحنى السالب خاصة بعد النصف الاول من العام الحالي ومرور ما يقارب التسعة شهور على اشتعال الازمة العالمية.
فأسعار النفط التي هبطت الى ما دون الـ 40 دولارا للبرميل عاودت الصعود الى مشارف التسعين دولارا وقد بدأ الاردنيون منذ ثلاثة شهور يعانون من ارتفاع اسعار المحروقات محليا وبدأ كابوس الاسعار يلوح بالافق مصحوبا بارتفاع نسبي لبعض المواد الغذائية مثل الحبوب.
الا ان المعضلة الاكبر التي تحيط بالاقتصاد الوطني هي حالة التباطؤ التي دخلتها العديد من القطاعات الاقتصادية, والامر لا يتعلق بقطاع معين بل هناك ظاهرة عامة بأن التراجع الاقتصادي قد اصاب قطاعات اقتصادية كبيرة مما ستكون له آثار ونتائج سلبية ستظهر قريبا على بعض المؤشرات, لعل ابرزها معدلات البطالة والنمو الاقتصادي.
هذا يقودنا الى ان تداعيات الازمة الاقتصادية على الاردن تختلف عما هي عليه في اقتصاديات الجوار من حيث التأثير والزمان, بدليل انها تعيش اليوم في حالة ركود مصحوب بتخوفات كبيرة من القطاع الخاص بأن الامور تزداد سوءا اذا بقيت الحالة على ما هي عليها.
في اعتقادي ان المعالجة لموضوع الازمة الاقتصادية تتطلب نجاحا حكوميا اكبر من الادارة السابقة, فعلى سبيل المثال من المفترض ان يتشكل فريق عمل من القطاعين العام والخاص لادارة الازمة بمنظور مختلف عما تفعله الحكومة اليوم وفريقها الاقتصادي الذي بات معلوما لدى الجميع ان كل اثنين منه يخرجان بثلاثة آراء, وان الخلافات الشخصية تسود بينهما.
اليوم مطلوب حوار واقعي مع القطاعات الاقتصادية للتعرف عن كثب على طبيعة مشاكلها التي بدأت تظهر جليا مع تراجع مؤشرات النمو والاقتراب من التضخم السالب ما يؤكد ضعفا في الانتاج مصحوبا بتراجع كبير في التدفقات الاستثمارية وهبوط نسبي في الصادرات الوطنية وعدم القدرة على خلق وظائف جديدة..
هناك مشكلة حقيقية تعاني منها قطاعات حيوية لعل ابرزها توفير السيولة المالية لمشاريعهم, فاذا ارادت الحكومة ان تساعد في تحفيز الاقتصاد عليها ان تجلس معهم في حوارات معمقة للخروج بحلول واقعية تصب في المصلحة العامة بدلا من ان تتحول قصص نجاحهم الى مشاريع متعثرة.
في النهاية لا يمكن مواجهة الازمة الاقتصادية وتداعياتها على الاقتصاد الاردني من دون ان تكون هناك نظرة شمولية للاقتصاد ومواجهة الاختلالات المزمنة فيه بدلا من ترحيل الازمات واسلوب الفزعة الذي تجيده الحكومات.