هل تسجل حكومة الذهبي إنجازا تاريخيا فـي سجل قضائنا المشرف؟؟

لا أرى موجيا لأزعاجكم بعشرات النصوص الدستورية والقانونية التي تؤكد على استقلال القضاء ويكفي أن أقول في هذا أنه لا يوجد نص مباشر في الدستور يقول بالفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو التصريح مباشرة باستقلال أعضاء مجلس الامة عن السلطة التنفيذية وانما يفهم ذلك من خلال نص المادة 24 من الدستور التي حددت كل سلطة من السلطات الثلاث بفقرة منها، الا القضاء فقد جاء التأكيد على أستقلاله مرة ثانية مباشرة وبوضوح تام في المادة 97 من الدستور التي قالت (القضاة مستقلون لاسلطان عليهم في قضائهم لغير القانون)، وهناك من النصوص القانونية الكثير مما يشير الى استقلال القضاء، ولا يوجد نص واحد يشير الى استقلال السلطة التشريعية مباشرة، ولعل أبلغ النصوص في استقلال القضاء أن كلا من السلطتين التنفيذية والتشريعية تحتاج قراراتهما الى مصادقة الارادة الملكية السامية كشرط قبل نفاذها الا القضاء فهو السلطة الوحيدة التي تحمل تفويضا دستوريا من جلالة الملك لتنطق باسمه مباشرة حيث نصت المادة 27 من الدستور على ما يلي (السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر جميع الاحكام وفق القانون باسم الملك) وهذا فالحكم القضائي القطعي يعتبر ارادة ملكية واجبة النفاذ.
ولكن على الصعيد العملي هناك اجحاف بحق السلطة القضائية وانتقاص من أستقلالها من خلال ربطها الاداري والمالي بالسلطة التنفيذية، فاذا كنا نريد أحترام النص الدستوري باعتبار السلطات الثلاث أعمدة الدولة المتساوية في الطول والمتانة فعلينا أن نمنح السلطة القضائية أستقلالا يماثل ما منحناه للسلطة التشريعية .
لمجلس النواب أمانة عامة وجهاز أداري لاسلطة عليهما للحكومة والمسؤول عنهما هو رئيس مجلس النواب، ولمجلس الاعيان مثل ما لمجلس النواب، بمعنى أن السلطة التشريعية تملك الأستقلال المالي والأداري، لها موزانتها الخاصة تنفق منها على شؤونها وفق الانظمة الموضوعة لهذا الغرض .
أما السلطة القضائية التي يقودها رئيس ومجلس قضائي أعضاؤه قضاة أفنوا زهرة شبابهم في خدمة العدالة وقدموا من الخبرة والعلم ما يملأ مجلدات من القرارات التي يستهدي بها المحامون والقضاة وطلاب كليات الحقوق وادارات الدولة بكل مستوياتها فانهم لايملكون سلطة شراء قلم رصاص بعشرة قروش، ولا سلطة نقل مراسل أساء أو أهمل في واجبه الا بموافقة وزير العدل، وبينما يسافر السادة النواب والاعيان للمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية بقرار من رئيسهم فانه وفي كل مرة يتم فيها أيفاد قاض لمؤتمر أو للتعرف على قضاء دولة صديقة فان تبادل المراسلات البيروقراطية بين المجلس القضائي والوزير يأكل الوقت حتى تتم موافقة الوزارة على صرف مخصصات السفر الزهيدة التي تقل عن مخصصات سفر مندوب تسويق لشركة تجارية، وقد يأتي جواب الوزارة بالاعتذار لعدم توفر المخصصات .
ولا توجد للمجلس القضائي أمانة عامة وجهاز اداري متكامل يتبع رئيس المجلس، وهكذا يضطر رئيس المجلس القضائي للعمل الاداري المباشر بالاضافة الى أعباء متابعة العمل القضائي والمشاركة في أصدار الاحكام التميزية .
السؤال الذي نطرحه هنا هو ما الذي يحول دون أن يكون للمجلس القضائي أمانة عامة وموازنة مالية مثله مثل مجلس النواب أو الاعيان ؟؟ كيف يمكن للمجلس القضائي أن يضع خطة أدارية وتدريبية للقضاة ما لم يكن على معرفة بالامكانات المالية المتوفرة تحت تصرفه ؟؟، ولا يكفي أو يرفع العتب أن تقول الحكومة أنها تضع كل امكاناتها في خدمة القضاء!! لا يجوز بأي حال من الاحوال أن تتعامل الحكومة مع السلطة التشريعية بمكيال وتتعامل مع السلطة القضائية بمكيال مختلف، فتلك أعمدة نظام الدولة الثلاثة والاخلال في التوازن بينها ينافي الدستور، فهل تسجل حكومة الرئيس نادر الذهبي انجازا تاريخيا في سجل القضاء الاردني المشرف ؟؟