هل البيت الذي لست شريكا به لا يعنيك؟!

أظهرت العديد من الممارسات في أوقات الأزمات أن إشكالية بالغة الحساسية تكمن في عدم نضج الهوية والانتماء عند الأفراد والجماعات، والأمثلة على ذلك وعلى تلك الأزمات عديدة إن على المستوى الفكري أو على المستوى التطبيقي، وتتكرس هذه المعادلة في احد وجوهها في تقديم الانتماء للعشيرة أو المعتقد الديني سواء في صورته الطائفية أو أي صورة أخرى. وحتى لو رفض البعض فكريا الانتماء لكل هذه الهويات أو بعضها فإن في داخل كل دولة عربية كما يشار مزيجا مركبا من انتماءات وهويات، (قانونية الوطنية) و(ثقافية العروبة) و(حضارية الدين) بل وفي داخل كل واحدة من هذه الانتماءات توجد تفريعات وانتماءات فرعية. إلى الدرجة التي أشار فيها البعض إلى أن المنطقة تعيش اليوم مخاطر التهديد للوحدة الوطنية كمحصلة لمفاهيم أو ممارسات خاطئة لكل من الوطنية والعروبة والدين، مما فاقم من أزمات ضعف بناء الدولة الوطنية وأضعف الانتماء والولاء الوطني لدى الناس بشكل جعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة.
ومن جانب آخر ربما ترتبط القضية بدرجة ما في قصور الفكر السياسي إن وجد والآليات السائدة في جعل الناس يشعرون أنهم شركاء في بناء أوطانهم ومستقبلهم وعلى ذات الدرجة من المشاركة والحقوق أكثر من كونها أزمة هوية. فالاستمرار في حكم الناس بالإنابة وعدم سماع أصواتهم واستمرار التركيبة السياسية بهذا الاتجاه كفيل بان يضعف لديهم الإحساس بالانتماء والولاء. لان الانتماء ليس درسا في الجغرافيا أو مجرد تعبئة للعواطف الوطنية أو رغبة مفروضة، أو مجرد ارتباط لشعب ببقعة أرض صماء. وإنما عملية تبادلية تقوم على عامل مصلحي وطني عام يجعل من مصلحة جميع المواطنين بمختلف تلاوينهم الحفاظ على ثوابتهم الوطنية وعلى شكل نظامهم السياسي، الذي يتيح لهم ذات الحقوق وذات الواجبات، ويرتب عليهم ذات الالتزامات الوطنية الصارمة، وذات المسؤوليات وذات الوسائل المشتركة والعادلة في المشاركة العامة. كما أن الاستمرار في التراخي والتساهل مع كل الدمار الذي تعرضت له منظومة القيم العامة التي ينبغي أن تؤكد وتؤسس بقوة حاسمة على مفاهيم ومبادئ الحاكمية الرشيدة ورقابة الناس للعمل العام ومسؤوليتهم الجماعية وعلى المفاضلة ما بين الشر والخير وبين الصالح والطالح وعلى القواعد التي تحكم العمل العام ومخرجاته واختيار القيادات ومحاسبتها ستضاعف من الإحساس بان الناس ليسوا شركاء في بناء بيتهم.
بالمحصلة فان الأمر سواء كان تعبيرا عن فائض أزمة في الهوية أو أزمة في المشاركة العامة فان عدم احساس الناس بأنهم وبشكل متكافئ شركاء في الحقوق والواجبات والقرارات والتوجهات التي تشكل جزءا من مستقبلهم سيزيد من كونهم أغلبية صامتة، أو أن يتفرع العديد منهم وخاصة الشباب بين تطرف في السلبية واللامبالاة، وبين تطرف في أطر فئوية بأشكال طائفية أو عرقية أو حتى قبلية، وبالتدريج تستمر أزمة الانتماء والهوية بالتعمق.