حكاية جحا وحال الحكومات

تم نشره الإثنين 31st آب / أغسطس 2009 03:21 صباحاً
حكاية جحا وحال الحكومات
طاهر العدوان

حال الحكومة, بعد عامين من تشكيلها, مع الفعاليات السياسية والاجتماعية في البلاد مثل حال جحا وحماره مع الناس. ففي الحكاية الشعبية, ان جحا ركب حماره يوما مصطحبا ابنه الصغير وذهب الى السوق, فيما كان الصبي يركب الحمار وهو يسير خلفه, قال الناس: ما اقبح هذا الولد يترك والده يمشي بينما يركب الحمار.

سمع جحا ذلك, فانزل الصبي وركب محله, قال الناس: هذا الرجل ليس في قلبه عاطفة الابوة يترك ابنه الصغير يسير على قدميه بينما يتربع على الحمار. فما كان من جحا الا ان اركب ابنه خلفه, فقال الناس: يا للرجل كم هو ظالم لا يعرف الرفق بالحيوان, يركب وابنه الحمار المسكين. نزل جحا وابنه وسارا خلف الحمار, فقال الناس: انظروا ما يفعل يسير ماشيا ولا يركب الحمار, يا للغباء.

كل حكومة في الاردن بعد ان تمكث عامين في الدوار الرابع (هذا اذا حالفها الحظ بذلك) لا تعود قادرة على ارضاء احد. وتصبح مهمة بقائها في السلطة اصعب واكثر تعقيدا. والعلة, في رأيي, لا تتعلق بادائها وسياساتها, انما لان الحكومة عندما تأتي الى الحكم تستمد قوتها واندفاعها من ثقة الملك ومن كونها (جديدة), لكن ما ان تمر الشهور والسنة الاولى ثم الثانية حتى ينكشف عنها كل غطاء وتفقد قوة الدفع بسبب غياب دعم شعبي وسياسي منظم لها. لانها لا تكون صاحبة برنامج موضوع سلفا ويميز افكار فريقها الوزاري. فلا حزب يقف خلفها, ولا تيارات سياسية وشعبية دفعت بها الى الواجهة ضمن رؤية معينة, وهي تيارات- لو وجدت- مهمتها ان تكون جاهزة لدعم حكومتها بوسائل سياسية وشعبية واعلامية. كما يحدث لحكومات اوروبية وآسيوية عند الازمات.

كما ان الفريق الوزاري لا يأخذ من هذا الوصف الا اسمه. فبينه وبين (الفريق) المتعارف عليه في الدول الديمقراطية مسافة طويلة, فالوزراء قد يأتون من بيئات سياسية وفكرية متناقضة, ولم يحدث ان ناقشوا برنامجا مشتركا لحكومتهم قبل ان »يتوزّروا« بحيث يكون هناك اتفاق على قواعد وبرامج وسياسات -على الاقل- في الحد الادنى. اضافة الى ان بعضهم لا يعرف البعض الآخر. فالمعرفة تنشأ فيما بعد واللقاءات تتم في مجلس الوزراء عند بحث القرارات والسياسات.

مثل هذا الحال يجعل »نَفْس الحكومة« قصيرا, لان على الرئيس وعلى كل وزير ان يبحث ويستكشف ويفكر ويتساءل ويسأل عما سيفعل, ولانه لا وقت لدى الرئيس لكل ذلك, فإن ما يقوم به معظم الوقت معالجة اجندة تفرضها التطورات والاحداث اليومية الطارئة التي لم تكن في الحسبان (مثل تلوث مياه, غلاء اسعار, مزاج مجلس النواب). فلا توجد مراكز دراسات تضعه سلفا بفرضيات حدوثها وتحذره من تقلباتها واخطارها على الشؤون الداخلية والخارجية. ولا تأتي الحكومة الجديدة على ارضيه فكرية وسياسية ونيابية وشعبية قوية تكون مصدرا لمساعدتها على تنفيذ ما تريد ان تحدثه من تغييرات في الادارة والاقتصاد وحتى في اصلاح ما يفترض انها اخطاء حكومة سابقة استدعت تغييرها.

وهكذا بعد عامين تبدو الحكومات متعبة حائرة, ومنشغلة بدوامة الاشاعات من حولها وذلك عندما تبدأ النخب والشارع بطرح الاسئلة التي اصبحت من التراث السياسي للبلد: هل الحكومة راحلة? من سيشكل الحكومة الجديدة? هل سيكون هناك تعديل محدود او موسع? دوامة ثبت بالقطع انها تقلق رئيس الحكومة ووزراءه ومع هذه الحالة تظهر الارتباكات ويسود الضعف ويصبح النقد للاداء الوزاري في الصحافة مؤثرا.

بعد عامين من عمر الحكومة, تكون قوة الدفع الذاتية هي المسيطرة على الاداء, وحتى اذا ما حاولت ان تطيل عمرها, او تجدد الدماء بين صفوفها, بتعديل محدود او موسع, فان الوضع لن يتغير بالنسبة للمزاج الشعبي الذي لا يعود معجبا بها, مهما فعلت او جددت من عزيمتها, تماما كما هو حال جحا مع رضا الناس.0




مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات